صفحة جزء
3566 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : ( أحق ما بلغني عنك ؟ ) قال : وما بلغك عني ؟ قال : ( بلغني أنك قد وقعت على جارية آل فلان ) قال : نعم ، فشهد أربع شهادات ، فأمر به فرجم . رواه مسلم .


3566 - ( وعن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : ( أحق ) : أي أثابت ( ما بلغني عنك ؟ قال : وما بلغك عني ؟ قال : بلغني أنك قد وقعت بجارية آل فلان ) : وفي نسخة صحيحة على جارية آل فلان أي على بنتهم ( قال : نعم ، فشهد ) : أي أقر ( أربع شهادات ) ، أي مرات في مجالس متعددة ( فأمر به ) : أي برجمه ) ( فرجم ، رواه مسلم ) . قال الطيبي : فيه تنبيه من المؤلف على أن هذا الحديث غير مقر في مكانه بل مكانه الفصل السابق ، فإن قلت : كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين حديث بريدة ، يعني على ما سبق فإن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بزنا ماعز ، فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد ، وحديث بريدة وأبي هريرة أي السابق ، ويزيد بن نعيم أي اللاحق ، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عارفا به ، فجاء ماعز ، فأقر ، فأعرض عنه مرارا ، ثم جرت بعد ذلك أحوال جمة ثم رجم ؟ قلت : للبلغاء مقامات ، فمن مقام يقتضي الإيجاز فيقتصرون على كلمات معدودة ، ومن مقام يقتضي الإطناب فيطنبون فيه كل الإطناب . قال :


يرمون بالخطب الطوال تارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء

فابن عباس سلك طريق الاختصار ، فأخذ من أول القصة وآخرها ، إذ كان قصده بيان رجم الزاني المحصن بعد إقراره ، وبريدة وأبو هريرة ويزيد سلكوا سبيل الإطناب في بيان مسائل مهمة للأمة ، وذلك أنه لا يبعد أن [ ص: 2342 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه حديث ماعز ، فأحضره بين يديه ، فاستنطقه لينكر ما نسب إليه لدرء الحد ، فلما أقر أعرض عنه ، فجاءه من قبل اليمين بعدما كان مائلا بين يديه ، فأعرض عنه ، فجاءه من قبل الشمال يدل عليه حديث أبي هريرة ، ثم جاءه من شقه الآخر ، وكل ذلك ليرجع عما أقر ، فلما لم يجد فيه ذلك ، فقال : ( أبه جنون ؟ ) إلخ ونظير سلوك ابن عباس في أخذ القصة أولها وآخرها ملخصا قوله تعالى : كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول : ( لحي ) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة أي عظم ذقنه ، وهو الذي ينبت عليه الأسنان ( فضربه ) : أي الرجل ( به ) ، أي باللحي ( وضربه الناس ) : أي آخرون بأشياء أخر ( حتى مات . فذكروا ) : أي بعض أصحابه فأخذناه أخذا وبيلا فالفاء في فأخذناه كالفاء في فأمر به ، فرجم ، فالفاء تستدعي حالات وتارات وشئونا لا تكاد تنضبط إلى أول القصة من قوله : كما أرسلنا فعصى ، والله تعالى أعلم .

وقال النووي في شرح مسلم : هكذا وقع في هذه الرواية ، والمشهور في باقي الروايات أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال : طهرني . قال العلماء : لا تناقض بين هذه الروايات ، فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غير استدعاء من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله : ( لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرا لك ) . وكان ماعز عنده هزال ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له : ( أحق ما بلغني عنك ؟ ) إلخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية