صفحة جزء
[ ص: 2366 ] باب الشفاعة في الحدود

الفصل الأول

3610 - عن عائشة ، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . متفق عليه .

وفي رواية لمسلم قالت : كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة ، فكلموه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم ذكر الحديث نحو ما تقدم .


باب الشفاعة في الحدود

الفصل الأول

3610 - ( عن عائشة أن قريشا أهمهم ) أي أحزنهم وأوقعهم في الهم ( شأن المرأة ) قال : التوربشتي يقال : أهمني الأمر إذا أقلقك وأحزنك ( المخزومية ) أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش منهم أبو جهل وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة ( التي سرقت ) أي وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ( فقالوا ) أي قومها ( من يكلم ) أي بالشفاعة ( فيها ) أي في شأنها ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ظنا منهم أن الحدود تندرئ بالشفاعة كما أنها تندرئ بالشبهة ( فقالوا ) وفي نسخة فقالوا أي بعض منهم ( ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع عطف بيان أو بدل من أسامة قال الطيبي : قوله ومن عطف على محذوف أي لا يجترئ عليه منا أحد لمهابته ولما لا يأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ عليه إلا أسامة . اه والأظهر أن ( من ) استفهام إنكار يعطي معنى النفي ولا يحتاج إلى تقدير فالمعنى : لا يجترئ عليه إلا أسامة كقوله تعالى فهل يهلك إلا القوم الفاسقون قال النووي : معنى يجترئ يتجاسر عليه بطريق الإذلال وهذه منقبة ظاهرة لأسامة ( فكلمه أسامة ) أي فكلموا أسامة فكلمه أسامة ظنا منه أن كل شفاعة حسنة مقبولة وذهولا عن قوله تعالى من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حد من حدود الله ) الاستفهام للتوبيخ ( ثم قام فاختطب ) أي بالغ في خطبته أو أظهر خطبته وهو أحسن من قول الشارح أي خطب ( ثم قال ) أي في أثناء خطبته أو بعد فراغ حمده وثناء ربه ( إنما أهلك ) بصيغة الفاعل وفي نسخة على بناء المفعول ( الذين قبلكم ) يحتمل كلهم أو بعضهم ( أنهم كانوا ) أي كونهم إذا سرق إلخ أو ما أهلكهم إلا لأنهم كانوا والحصر ادعائي إذ كانت فيهم أمور كثيرة من جملتها أنهم كانوا ( إذا سرق فيهم الشريف ) أي القوي ( تركوه ) أي بلا إقامة الحد عليه ( وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) أي القطع أو غيره ( وايم الله ) بهمزة وصل وسكون ياء وضم ميم وبكسر وبفتح همزة ويكسر ففي القاموس : وايمن الله وايم الله بكسر أولهما وايم الله بكسر الهمزة والميم وهو اسم وضع للقسم والتقدير ايمن الله قسمي ، وفي النهاية : وايم الله من ألفاظ القسم وفي همزها الفتح والكسر والقطع والوصل وفي شرح الجزرية لابن المصنف : الأصل فيها الكسر ; لأنها همزة وصل لسقوطها ، وإنما فتحت في هذا الاسم ; لأنه ناب مناب حرف القسم ، وهو الواو ففتحت لفتحها وهو عند البصريين مفرد وعند سيبويه من اليمن بمعنى البركة فكأنه قال : بركة الله قسمي وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع وإنما سقطت في الوصل لكثرة الاستعمال وفي المشارق لعياض وايم الله بقطع الألف ووصلها أصله ايمن فلما كثر في كلامهم حذفوا النون فقالوا : ايم الله وقالوا : ام الله وم الله . اه وفيه لغات كثيرة ذكرت في القاموس ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) إنما ضرب المثل بفاطمة ; لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم . ( متفق عليه )

[ ص: 2367 ] وفي رواية لمسلم قالت : كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده ) وإنما ذكرت الجحود لتعريفها وإلا فالقطع كان لسرقتها كما في الحديث السابق المتفق عليه فالتقدير فسرقت ( فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم ذكر ) أي مسلم أو الراوي عن عائشة ( بنحو ما تقدم ) قال الطيبي : المراد أنها قطعت بالسرقة وإنما ذكرت العارية تعريفا لها ووصفا لا لأنها سبب القطع وإنما لم تذكر السرقة في هذه الرواية ; لأن المقصود منها عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا الإخبار عن السرقة قال الجمهور : لا قطع على من جحد العارية ، وقال أحمد وإسحاق : يجب القطع في ذلك وقد أجمعوا على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذا الحديث وعلى أنه يحرم التشفيع فيه فأما قبل البلوغ فقد أجاز فيها أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس وأما المعاصي التي يجب فيها التعزير فيجوز الشفاعة والتشفيع فيها سواء بلغت الإمام أم لا لأنها أهون بل هي مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى .

التالي السابق


الخدمات العلمية