صفحة جزء
3638 - وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة . رواه مسلم .


3638 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ) قال ابن الهمام : ومن سكر من النبيذ حد والحد إنما يتعلق في غير الخمر من الأنبذة بالسكر ، وفي الخمر بشرب قطرة واحدة ، وعند الأئمة الثلاثة كل ما أسكر كثيره حرم قليله وحد به لقوله عليه الصلاة والسلام : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام . رواه مسلم .

وهذان مطلوبان ويستدلون تارة بالقياس وتارة بالسماع ، أما السماع فتارة بالاستدلال على أن اسم الخمر لغة كل ما خامر العقل ، وتارة بغير ذلك ، فمن الأول ما في الصحيحين من حديث ابن عمر نزل تحريم الخمر الحديث ، وما في مسلم عنه عليه الصلاة والسلام : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام . وفي رواية أحمد وابن حبان في صحيحه : وكل خمر حرام ، فأما ما يقال : أن ابن معين طعن في هذا الحديث فلم يوجد في شيء من كتب الحديث ، وكيف له بذلك وقد روى الجماعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة . وفي الصحيحين من حديث أنس : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر ، وفي صحيح البخاري قول عمر : الخمر ما خامر العقل . وإذا ثبت عموم الاسم ثبت تحريم هذه الأشربة بنص [ ص: 2383 ] القرآن ووجوب الحد بالحديث الموجب ثبوته في الخمر ; لأنه مسمى الخمر لكن هذه كلها محمولة على التشبيه بحذف أداته ، فكل مسكر حرام ك ( زيد أسد ) أي في حكمه وكذا الخمر من هاتين أو من خمسة هو على الادعاء حين اتحد حكمها بها جاز تنزيلها منزلتها في الاستعمال ومثله كثير في الاستعمالات اللغوية والعرفية ، تقول : السلطان هو فلان إذا كان فلان نافذ الكلمة عند السلطان ويعمل بكلامه أي المحرم لم يقتصر على ماء العنب بل كل ما كان مثله ، من كذا مثله من كذا وكذا فهو هو ، ولا يراد به إلا الحكم ثم لا يلزم في التشبيه عموم وجهه في كل صفة ، فلا يلزم من هذه الأحاديث ثبوت الحد بالأشربة التي هي غير الخمر بل يصح الحمل المذكور فيها بثبوت حرمتها في الجملة إما قليلها وكثيرها أو كثيرها المسكر منها ، وكون التشبيه خلاف الأصل يجب المصير إليه عند الدليل عليه وهو أن الثابت في اللغة من تفسير الخمر بالنيء من ماء العنب إذا اشتد وهذا مما لا يشك فيه من تتبع مواقع استعمالاتهم ولقد يطول الكلام بإيراده ويدل على أن الحمل المذكور على الخمر بطريق التشبيه قول ابن عمر ( حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء . أخرجه البخاري في الصحيح ، ومعلوم أنه إنما أراد ماء العنب لثبوت أنه كان بالمدينة غيرها لما ثبت من قول أنس ، وما شرابهم يومئذ - أي يوم حرمت - إلا الفضيخ البسر والتمر ، فعرف أن ما أطلق هو وغيره من الحمل لغيرها عليها ، هو على وجه التشبيه ، وأما الاستدلال بغير عموم الاسم لغة فمن ذلك ما روى أبو داود والترمذي من حديث عائشة عنه عليه الصلاة والسلام : كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه . وفي لفظ الترمذي : فالحسوة منه حرام . قال الترمذي : حديث حسن . ورواه ابن حبان في صحيحه وأجود حديث في هذا الباب حديث سعد بن أبي وقاص أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قليل ما أسكر كثيره . أخرجها النسائي وابن حبان قال الترمذي : لأنه من حديث محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير ، وقد احتج به الشيخان عن الضحاك بن عثمان ، واحتج به مسلم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : واحتج بهما الشيخان فحينئذ فجوابهم بعد ثبوت هذه غير صحيح ، وكذا حمله على ما به حصل السكر ، وهو القدح الأخير ; لأنه صريح هذه الروايات القليل وما أسند إلى ابن مسعود : كل مسكر حرام ، قال : هي الشربة التي أسكرتك . أخرجه الدارقطني بسند ضعيف فيه الحجاج بن أرطاة وعمار بن مطر قال : وإنما هو من قول إبراهيم يعني النخعي وأسند إلى ابن المبارك أنه ذكر له حديث ابن مسعود فقال : حديث باطل على أنه لو حسن عارضه ما تقدم من المرفوعات الصريحة الصحيحة في تحريم قليل ما أسكر كثيره ، ولو عارضه كان المحرم مقدما ، وما روي عن ابن عباس من قوله : حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها ، والمسكر من كل شراب ، لم يسلم ، نعم هو من طريق جيدة عن ابن عوف عن ابن شداد عن ابن عباس من : حرمت الخمر قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب . وفي لفظ : وما أسكر من كل شراب قال : وهذا أولى بالصواب من حديث أبي شبرمة ، وهذا إنما فيه تحريم الشراب المسكر وإذا كانت طريقه أقوى وجب أن يكون هو المعتبر ، ولفظ السكر تصحيف ثم لو ثبت ترجيح المنع السابق عليه يكون الترجيح في حق ثبوت الحرمة ولا يستلزم ثبوت الحرمة ثبوت الحق بالقليل إلا بسمع أو قياس فهم يقيسونه بجامع كونه مسكرا ، ولأصحابنا فيه منع خصوصا وعموما أما خصوصا فمنعوا أن حرمة الخمر معللة بالإسكار إذ ذكر عنه عليه الصلاة والسلام : حرمت الخمر بعينها والمسكر . إلخ وفيه ما علمت ثم قوله ( بعينها ) ليس معناه أن علة الحرمة عينها بل إن عينها حرمت ولذا قال في الحديث : قليلها وكثيرها . والرواية المعروفة فيه بالياء لا باللام ، فالتحقيق أن الإسكار هو المحرم بأبلغ الوجوه ; لأنه الموقع للعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وإتيان المفاسد من القتل وغيره كما أشار النص إلى عينها ، ولكن تقدير ثبوت الحرمة بالقياس لا يثبت الحد ; لأن الحد لا يثبت بالقياس عندهم ، وإذا لم يثبت بمجرد الشرب من غير الخمر ولكن ثبت بالسكر منه بأحاديث منها ما قدمناه من حديث أبي هريرة فإذا سكر فاجلدوه . الحديث ولو ثبت به حل ما لم يسكر لكان بمفهوم الشرط وهو منتف عندهم فموجبه ليس إلا ثبوت الحد بالسكر ، ثم يجب أن يحمل على السكر من غير الخمر ; لأن حمله على المعنى الأعم من الخمر ينفي فائدة التقييد بالسكر ; لأن في الخمر حدا بالقليل منها بل يوهم عدم التقييد بغيرها أنه لا يحد [ ص: 2384 ] منها حتى يسكر وإذا وجب حمله على غيرها صار الحد منتفيا عند عدم السكر بالأصل حتى يثبت ما يخرجه عنها ، ومنها ما روى الدارقطني في سننه أن أعرابيا شرب من إداوة عمر نبيذا فسكر منه فضربه الحد ، فقال الأعرابي : إنما شربته من إداوتك ، فقال عمر : إنما جلدناك بالسكر . وهو ضعيف بسعيد بن دنى . . لقوة ضعفه وفيه جهالة ، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن حسان بن مخارق قال : بلغني أن عمر بن الخطاب ساير رجلا في سفر ، وكان صائما فلما أفطر أهوى إلى قربة لعمر معلقة فيها نبيذ فشربه فسكر ، فضربه عمر الحد فقال : إنما شربته من قربتك ، فقال عمر : إنما جلدناك لسكرك وفيه بلاغ وهو عندي انقطاع ، وأخرجه الدارقطني عن عمران بن داور بفتح الواو فيه مقال : وروى الدارقطني في سننه عن وكيع عن شريك عن فراس عن الشعبي أن رجلا شرب من إداوة علي بصفين فسكر فضربه الحد . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجاهد عن الشعبي عن علي نحوه وقال : فضربه ثمانين . وروى ابن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن ابن عوف عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال : في السكر من النبيذ ثمانين . فهذه وإن ضعف بعضها فتعدد الطرق يرقيه إلى الحسن مع أن الإجماع على الحد بالكثير فإن الخلاف إنما هو بالحد في القليل ( ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ) أي يداوم على شربها بأن ( لم يتب ) عنها حتى مات على ذلك ( لم يشربها في الآخرة ) أي إن كان مستحلا لها أو المراد به الزجر الأكيد والوعيد الشديد ، وفي النهاية : هذا من باب التعليق بالبيان ، أراد أنه لم يدخل الجنة ; لأن الخمر من شراب الجنة فإذا لم يشربها في الآخرة لم يدخل الجنة ، قال النووي : قيل يدخل الجنة ويحرم عليه شربها فإنها من فاخر أشربة الجنة ، فيحرمها هذا العاصي بشربها في الدنيا ، وقيل : إنه ينسى شهوتها ; لأن الجنة فيها كل ما تشتهي الأنفس وقيل : لا يشتهيها وإن ذكرها ، ويكون هذا نقصا عظيما بحرمانه عن أشرف نعيم الجنة ، قلت : ونظيره حرمان المعتزلي ونحوه عن الرؤية ، ويمكن أن يقيد الحرمان بمقدار مدة عيش العاصي في الدنيا أو المراد أنه لم يشربها في الآخرة مع الفائزين السابقين في دخول الجنة ، أو لم يشربها شربا كاملا في الكمية والكيفية بالنسبة إلى التائبين ، والله تعالى أعلم ( رواه مسلم ) وكذا أحمد والأربعة وفي الجامع الصغير : من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " . رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية