صفحة جزء
3671 - وعن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا : أفلا نقاتلهم قال : لا ما صلوا لا ما صلوا أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه . رواه مسلم .


3671 - ( وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي إخبارا عن الغيب ( يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون ) قال القاضي : هما صفتان لأمراء ، والراجع فيها محذوف أي تعرفون بعض أفعالهم وتنكرون بعضها يريد أن أفعالهم يكون بعضها حسنا وبعضها قبيحا ( فمن أنكر ) أي من قدر أن ينكر بلسانه عليهم قبائح أفعالهم وسمات أحوالهم وأنكر ( فقد برئ ) أي من المداهنة والنفاق ( ومن كره ) أي ومن لم يقدر على ذلك ولكن أنكر بقلبه وكره ذلك ( فقد سلم ) أي من مشاركتهم في الوزر والوبال ( ولكن من رضي ) أي بفعلهم بالقلب ( وتابع ) أي تابعهم في العمل فهو الذي شاركهم في العصيان واندرج معهم تحت اسم الطغيان ، وحذف الخبر في قوله من رضي لدلالة الحال وسياق الكلام على أن حكم هذا القسم ضد ما أثبته لقسيمه ( قالوا : أفلا نقاتلهم ) أي حينئذ ( قال : لا ) أي لا تقاتلوهم ( ما صلوا لا ما صلوا ) تأكيد وإنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عنوان الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكاية من احتمال نكرهم ، والمصابرة على ما ينكرون منهم ( أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه ) تفسير لقوله فمن أنكر ومن كره المذكورين في الحديث وفيه إشكال وهو لزوم التكرار ويوجه بأن الإنكار اللساني لما كان متفرعا عن الإنكار القلبي صح نسبته إليه ، وأيضا فيه إشارة إلى أن من أنكر بلسانه بدون إنكار جنانه لم يبرأ من عصيانه ، فالتقدير من أنكر إنكارا متلبسا بقلبه ، وفي بعض نسخ المصابيح : يعني من كره بقلبه وأنكر بلسانه وهو ظاهر كما لا يخفى هذا محمل الكلام في هذا المقام ، وأما تفصيل المرام فقد قال المظهر : هذا التفسير غير مستقيم ; لأن الإنكار يكون باللسان والكراهة بالقلب ولو كان كلاهما بالقلب لكانا منكرين ; لأنه لا فرق بينهما بالنسبة إلى القلب وقد جاء هذا الحديث في رواية أخرى وفي تلك الرواية : من أنكر بلسانه فقد برئ ومن أنكر بقلبه فقد سلم . قال الطيبي : وهذا التعليل غير مستقيم ، وأول شيء يدفعه ما في الحديث من قوله تنكرون ; لأن هذا الإنكار منحصر في اللسان ليرد عليه هذا البيان والبرهان ليس إلا بالقلب لوقوعه قسيما لـ ( تعرفون ) ومعناه على ما قال الشيخ التوربشتي ، أي ترون منهم من حسن السيرة ما تعرفون وترون من سوء السيرة ما تنكرون أي تجهلونه ، فإن المعروف ما يعرف بالشرع والمنكر عكسه ، قال المظهر : لم ينكر أن الإنكار منحصر في اللسان ليرد عليه هذا البيان والبرهان بل مراده أن الإنكار في هذا المقام لا يصح أن يكون بالقلب ; لأنه قد علم من كراهة القلب وأيضا المنكر واحد فلا بد أن يكون الحكم في الشرطين مختلفا ، لئلا يلزم التكرار ، ثم قال الطيبي : ولأن قوله فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم تفصيل لينكرون بشهادة الفاء في ( فمن أنكر ) فلن يكون المفصل مخالفا للمجمل ، قلت : لا منازعة فيه ولا شك أن المجمل هو المنكر الشرعي ، والتفصيل إنما هو بالنسبة إلى اختلاف أحوال المنكرين لذلك المنكر فتدبر ، ثم قال : ومعناه فمن أنكر ما [ ص: 2397 ] لا يعرف حسنه في الشرع فقد برئ من النفاق ، ومن لم ينكره حق الإنكار بل كرهه بقلبه فقد سلم ، ولا بد لمن أنكره بقلبه حق الإنكار أن يظهره بالمكافحة بلسانه ، بل يجاهده بيده وجميع جوارحه ، وإذا قيد الإنكار بقلبه أفاد هذا المعنى وإذا خص بلسانه لم يفده ، قلت : وجود الإفادة المذكورة وعدمها إنما هو من الخارج لا من العبارة كما عبرنا عنه فيما سبق بالإشارة ثم قال : ويدل على أن الإنكار إذا لم يكن كما ينبغي مسمى بالكراهة ، قول الشيخ التوربشتي : ومن كره ذلك بقلبه ومنعه الضعف عن إظهار ما يضمر من النكرة ، قلت : ليس الكلام فيه بل هو مؤيد للمظهر على ما هو الظاهر ، ثم قال : وحاشا لمكانة إمام أئمة الدنيا أعني مسلما أن يخرج من فيه كلام غير مستقيم لا سيما في تفسير الكلام النبوي ، قلت : البخاري أجل منه قدرا وقد وقع له سهو في الآية القرآنية في كتابه ، مع أن هذا مجرد تقليد وإلا فكل أحد يقبل كلامه ويرد إلا المعصوم ، على أن الظاهر أن هذا التفسير ليس من كلامه بل هو ناقل ، والله تعالى أعلم بقائله .

ثم قال : والرواية التي استدل المظهر بها في شرح السنة كذا ويروى : فمن أنكر بلسانه فقد برئ ، ومن كره بقلبه فقد سلم . ولفظ يروى ونحوه إنما يستعملها أهل الحديث فيما ليس بقوي ، قلت : هذا غالبي وعلى التنزل فالحديث الضعيف يصلح أن يكون تفسيرا للحديث الصحيح ولا شك أنه أقوى في اعتبار المعنى من تفسير الراوي كما لا يخفى .

قال النووي : في هذا الحديث معجزة ظاهرة لما أخبر به عن المستقبل وقد وقع كما أخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه أن من عجز عن إزالة المنكر وسكت لا يأثم إذا لم يرض به ، وقوله : ومن كره فقد سلم . هذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولسانه فليكرهه بقلبه ويسلم ، والله تعالى أعلم ( رواه مسلم ) وفي الجامع الصغير رواه مسلم وأبو داود ولفظه ( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع ) وروى ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس لفظة ( ستكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم ومن خالطهم هلك ) وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت : ستكون عليكم أمراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون ويعملون بما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة أي في الحقيقة . وروى أبو يعلى والطبراني عن معاوية : ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم قولهم يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة .

التالي السابق


الخدمات العلمية