صفحة جزء
3682 - وعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ; ثم قال : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة ; وإنها يوم القيامة خزي وندامة ; إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . وفي رواية ; قال له : يا أبا ذر ; إني أراك ضعيفا ; وإني أحب لك ما أحب لنفسي ; لا تأمرن على اثنين ; ولا تولين مال يتيم . رواه مسلم .


3682 - ( وعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ؟ ) ; أي ألا تجعلني عاملا ؟ ( قال ) ; أي أبو ذر ( فضرب بيده ) ; أي ضرب لطف وشفقة ، ( على منكبي ) وفي نسخة بالتثنية ، ( ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف ) ; أي عن تحمل العمل ، ( وإنها ) ; أي الإمارة ( أمانة ) يعني ومراعاة الأمانة لكونها ثقيلة صعبة لا يخرج عن عهدتها إلا كل قوي ، وفيه الإشارة إلى قوله : إنا عرضنا الأمانة الآية قال الطيبي : تأنيث الضمير إما باعتبار الإمارة المستفادة من قوله ألا تستعملني ، أو باعتبار تأنيث الخبر اهـ . فعلى الثاني يكون مرجع الضمير والعمل المستفاد من لفظ الاستعمال ، ويؤيد الأول قوله : ( وإنها ) ; أي الإمارة ( يوم القيامة خزي ) ; أي عذاب وفضيحة للظالم ; ( وندامة ) ; أي تأسف وتندم على قبولها للعادل ، ( إلا من أخذها ) استثناء منقطع ; أي خزي وندامة على من أخذها بغير حقها ، لكن من أخذها بحقها ( وأدى الذي عليه فيها ) فإنها لا تكون خزيا ووبالا عليه ، وفيه إشارة لطيفة بأنها إما أن تكون عليه ، أو لا تكون عليه ، وأما كونها له فلا فالأولى تركها بلا ضرورة ، قال النووي : هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولاية ، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائفها ، والخزي والندامة في حق من لم يكن أهلا لها ، أو كان أهلا ولم يعدل فيخزيه الله يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط ، فأما من كان أهلا لها وعدل فيها ; فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث ( سبعة يظلهم الله في ظله ) وحديث ( إن المقسطين على منابر من نور ) وغير ذلك . ولكثرة الخطر فيها حذره عليه الصلاة والسلام منها ، ولذلك امتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا . ( وفي رواية ) كان حقه أن يقول : رواه مسلم وفي رواية أي له ( قال له ) فيه التفات ، أو نقل بالمعنى ( يا أبا ذر إني أراك ) بفتح الهمزة إما من الرأي ; أي أظنك ، أو من الرؤية العلمية ; أي أعرفك ( ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي ) ; أي لو كنت ضعيفا مثلك لما تحملت هذا الحمل ولكن الله قواني فحملني ، ولولا أنه حملني لما حملت ، وفيه إيماء إلى ما قال بعض الصوفية أن الولاية أفضل من الرسالة ; يعني ولاية النبي أفضل من رسالته ; لأن وجه الرسالة إلى الخلق ووجه الولاية إلى الحق ; فالتوجه إلى المولى لا شك أنه أولى ( لا تأمرن ) بحذف إحدى التاءين وتشديد الميم المفتوحة والنون ، وفي نسخة لمسلم فلا تأمرن ; أي لا تقبلن الإمارة ( على اثنين ) ; أي فضلا عن أكثر منهما ; فإن العدل والتسوية أمر صعب بينهما ( ولا تولين ) ; بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام المفتوحة والنون ( مال يتيم ) ; أي لا تقبلن ولاية مال يتيم ، وفي نسخة لمسلم على مال يتيم ; أي لا تكن واليا عليه ; لأن خطره عظيم ووباله جسيم ، وهذا مثال الولاية على الواحد ( رواه مسلم ) .

[ ص: 2402 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية