صفحة جزء
3724 - وعن أبي بردة قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن ; فقال : يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا . متفق عليه .


3724 - ( وعن أبي بردة ) صوابه ابن أبي بردة لما سيأتي ( قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جده أبا موسى ومعاذا ) ; أي ابن جبل ( إلى اليمن ) ظاهر إيراد المصنف يقتضي أن أبا موسى جد أبي بردة ; وليس كذلك ; بل هو أبوه ، فالصواب أن يقال : عن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جده ) أبا موسى وضمير جده لعبد الله هكذا . رواه البخاري من طريق مسلم بن إبراهيم ، وفى نسخة عن ابن أبي بردة فلا إيراد ولا إشكال كذا ذكره بعضهم ، وقال بعضهم : صوابه ابن أبي بردة على ما في البخاري ، حيث قال : سعيد بن أبي بردة قال : سمعت أبي قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي ومعاذا إلى اليمن ، ونقل بعضهم عن جامع الأصول أن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كان على البصرة ، سمع أباه وغيره ، وروى عن قتادة ونفر من الأعلام ، وهو قليل الحديث حسنه ، وقال المؤلف : أبو بردة عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري ; أحد التابعين المشهورين المكثرين ، سمع أباه وعليا وغيرهما ، كان على قضاء الكوفة بعد شريح ; فعزله الحجاج ، قال أيضا : أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري ، أسلم بمكة ، وهاجر إلى أرض الحبشة ، ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ، وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة عشرين ، فافتتح أبو موسى الأهواز ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ، ثم عزل عنها ، فانتقل إلى الكوفة ، فأقام بها وكان واليا على الكوفة ، إلى أن قتل عثمان ، ثم انتقل أبو موسى إلى مكة بعد التحكيم فلم يزل بها إلى أن مات سنة اثنين وخمسين اهـ . والظاهر أن أبا بردة له أولاد متعددة ، وروى كل منهم عن أبيه عن جده ، وحيث إن كلا منهم ثقة ، لم تضره الجهالة في تنكير ابن في الرواية ، ( قال ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أي لهما معا ، أو لكل منهما منفردا ، والأول هو الظاهر لما سيأتي ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ) ; أي اتفقا في الحكم ، ( ولا تختلفا ) ; أي في الأمر ، وهذا بحسب الظاهر يدل على أن أحدهما تحت أمر الآخر ، قال الطيبي : يعني كونا متفقين في أحكامكما ، ولا تختلفا فإن اختلافكما يؤدي إلى اختلاف أتباعكما وحينئذ تقع العداوة والمحاربة بينهم ( متفق عليه ) .

قال الطيبي : الأحاديث الثلاثة متعاضدة على معنى عدم الحرج والتضييق في أمور الملة الحنيفية السمحة ، كما قال تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج مفعول أول ، و ( في الدين ) ثان ، وزيدت ( من ) للاستغراق ، والتنكير في ( حرج ) للشيوع ، و ( عليكم ) متعلق به قدم للاختصاص ، كأنه قيل وسع الله عليكم دينكم يا أمة محمد نبي الرحمة خاصة ، ورفع الحرج عنكم أيا كان ، فظهر من هذا ترجيح فعل الأولين من السلف الصالحين على رأي المتكلفين فيما نقله الشيخ محيي الدين النووي في الروضة من الشرح الكبير ; من أنه لا يشترط أن يكون للمجتهد مذهب مدون ، وإذا دونت المذاهب فهل يجوز للمقلد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب ؟ إن قلنا : يلزمه الاجتهاد في طلب العلم ، وغلب على ظنه أن الثاني أعلم ; ينبغي أن يجوز بل يجب ، وإن خيرناه فينبغي أن يجوز أيضا ، كما لو قلد في القبلة هذا أياما وهذا أياما ، ولو قلد مجتهدا في مسائل وآخر في مسائل أخرى ، واستوى المجتهدان عنده خيرناه ، لكن الأصوليون منعوا منه ، وحكى الحانطي وغيره عن أبي إسحق : فيما إذا اختار من كل مذهب ما هو أهون عليه أن يفسق به ، وعن أبي حنيفة أنه لا يفسق به ، ويعضد هذا الترجيح قول الإمام مالك : حين أراد الرشيد الشخوص من المدينة إلى العراق ; وقال له : ينبغي أن تخرج معي فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن ; فقال : أما حمل الناس على الموطأ فليس لك إلى ذلك سبيل ; لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعده في الأمصار ، فحدثوا فعند كل أهل مصر علم ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " اختلاف أمتي رحمة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية