صفحة جزء
[ 3 ] باب السواك

الفصل الأول

376 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء ، وبالسواك عند كل صلاة " متفق عليه .


[ 3 ] باب السواك

قال ابن الملك : السواك يطلق على الفعل ، وعلى العود الذي يستاك به . وقال في النهاية : السواك بالكسر والمسواك ما يدلك به الأسنان من العيدان يقال : ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك فإذا لم يذكر الفم يقال استاك اهـ . وقال بعضهم : السواك بالكسر اسم للاستياك ، وللعود الذي يستاك به ، والمراد هنا الأول وهو ظاهر أو الثاني ، والمراد واستعماله على حذف المضاف ، وفي إفراد هذا الباب من سنن الوضوء إيماء إلى أن السواك ليس من أجزاء الوضوء المتصل به وإشارة إلى جواز تقديم السواك على الوضوء ، وأنه ليس يتعين أن يكون محله قبيل المضمضة .

قال علماؤنا : ينبغي أن يكون السواك من الأشجار المرة في غلظ الخنصر وطول الشبر ، وأن يكون الاستياك عرضا لا طولا . وقال بعضهم : ينبغي أن يستاك طولا وعرضا فإن اقتصر على أحدهما فعرضا وأن يكون حال المضمضة وعليه الأكثرون ، وقيل : قبل الوضوء ولو لم يكن معه سواك أو كان مقلوع الأسنان استاك بأصبع يمينه لما في المحيط . قال علي رضي الله تعالى عنه : " التشويص بالمسبحة والإبهام سواك " ولما روى البيهقي وغيره عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يجزئ من السواك الأصابع وتكلم فيه . وروى الطبراني عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ! الرجل يذهب فوه يستاك ؟ قال : " نعم " قلت : كيف يصنع ؟ قال : " يدخل أصبعه في فيه " قال النووي : يستحب أن يستاك بعود من أراك ، وبما يزيل التغير من الخرقة الخشنة والأصبع إن لم تكن لينة ولم يجد غيرها ، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه عرضا ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه ، فإن خالف صح مع كراهة . قيل : عرضا حال من الفم كذا في شرح الإمام الرافعي ، نقله الطيبي .

الفصل الأول

376 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولولا أن أشق على أمتي : يقال : شق عليه أي ثقل أو حمله من الأمر الشديد ما يشق ويشتد عليه ، والمعنى : لولا خشية وقوع المشقة عليهم " لأمرتهم " : أي : وجوبا " بتأخير العشاء " : أي : لفرضت عليهم تأخيره إلى ثلث الليل أو نصفه ، فإن هذا التأخير مستحب عند الجمهور خلافا للشافعي أو بالسواك " : أي : بفرضيته " عند كل صلاة : أي : وضوئها لما روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال : صحيح الإسناد والبخاري تعليقا في كتاب الصوم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " ولخبر أحمد وغيره : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل [ ص: 395 ] طهور " فتبين موضع السواك عند كل صلاة ، والشافعية يجمعون بين الحديثين بالسواك في ابتداء كل منهما ، ثم اعلم أن ذكر الوضوء والطهور بيان للمواضع التي يتأكد استعمال السواك فيها ، أما أصل استحبابه فلا يتقيد بوقت ولا سبب ، باعتبار بعض الأسباب يتأكد استحبابه كتغير الفم بالأكل أو بسكوت طويل ونحوهما ، وإنما لم يجعله علماؤنا من سنن الصلاة نفسها لأنه مظنة جراحة اللثة وخروج الدم وهو ناقض عندنا ، فربما يفضي إلى جرح ، ولأنه لم يرو أنه عليه الصلاة والسلام استاك عند قيامه إلى الصلاة فيحمل قوله عليه الصلاة والسلام : لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " على كل وضوء " بدليل رواية أحمد والطبراني : لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ، " أو التقدير : لولا وجود المشقة عليهم بالسواك عند كل صلاة لأمرتهم به ، لكني لم آمر به لأجل وجودها كما قيل مثل هذا في القرينة السابقة فيكون القرينتان على طبق واحد ، ثم إنه عرف سنية السواك للوضوء واستحباب تأخير العشاء بأدلة أخرى ، وهذا الوجه بالقبول أحرى ، وقد قال بعض علمائنا من الصوفية في نصائحه العبادية : ومنها مداومة السواك لا سيما عند الصلاة . قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو عند كل صلاة " رواه الشيخان . وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال : " صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك " والباء للإلصاق أو المصاحبة ، وحقيقتهما فيما اتصل حسا أو عرفا ، وكذا حقيقة كلمة مع وعند ، والنصوص محمولة على ظواهرها إذ أمكن ، وقد أمكن ههنا فلا مساغ إذا على الحمل على المجاز ، أو تقدير مضاف ، كيف وقد ذكر السواك عند نفس الصلاة في بعض كتب الفروع المعتبرة . قال في التتارخانية نقلا عن التتمة : ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة ووضوء ، وكل شيء يغير الفم ، وعند اليقظة اهـ .

وقال الفاضل المحقق ابن الهمام في شرح الهداية : ويستحب في خمسة مواضع : اصفرار السن ، وتغير الرائحة ، والقيام من النوم ، والقيام إلى الصلاة ، وعند الوضوء اهـ . فظهر أن ما ذكر في بعض الكتب من تصريح الكراهة عند الصلاة معلا بأنه قد يخرج الدم فينقض الوضوء ليس له وجه ، نعم من يخاف ذلك فليستعمل بالرفق على نفس الأسنان واللسان دون اللثة ، وذلك لا يخفى . قال القاضي : لولا تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره ، والحقيقة أنها مركبة من لو ولا ، ولو تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فتدل هنا مثلا على انتفاء الأمر لانتفاء نفي المشقة وانتفاء النفي بثبوت النفي ، فيكون الأمر منتفيا لثبوت المشقة ، فدل على أن المندوب ليس بمأمور لانتفاء الأمر مع ثبوت الندبية ، وأيضا جعل الأمر ثقيلا وشاقا عليهم ، وذلك إنما يكون في الوجوب . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية