صفحة جزء
3931 - وعن أنس رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إليهم ، فإن سمع أذانا كف عنهم ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم ، قال : فخرجنا إلى خيبر ، فانتهينا إليهم ليلا ، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : محمد والله ، محمد والخميس ، فلجئوا في الحصن ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الله أكبر الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . متفق عليه .


3931 - ( وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قوما ) : الباء بمعنى المصاحبة ; أي : إذا غزونا وهو معنا ( لم يكن يغزو بنا ) : بإثبات الواو على أن الجملة خبر ; أي : لم يكن غازيا بنا . قال التوربشتي : لم يكن يغز بنا ، هكذا هو في المصابيح ، وأرى الواو قد سقط عن قلم الكاتب وصوابه إثباتها ، ولو جعل من الاغتراء على زنة يلهبنا لم يستقم ; لأن معناه يحرزنا للغزو ، قال القاضي : وهو يستقيم ; لأن معناه لم يرسلنا إليه ، ولم يحملنا عليه على سبيل المجاز . قال الطيبي : لا بد أن يجعل الثاني عين الأول ; لأن المعنى إذا أراد الغزو بنا قوما لم يغز بنا اهـ . وفي القاموس : غزا العدو سار إلى قتالهم وأغزاه حمله عليه كغزاه وأمهله ، والظاهر أن هذا معناه اللغوي لا المجازي ، كما أفاده البيضاوي ، وأما جعل الثاني عين الأول فهو مبني على المناسبة اللفظية دون المراعاة المعنوية ، مع أنها حاصلة ; أيضا ، فإن المعنى إذا أراد الغزو لم يحملنا عليه في ساعته ، بل كان يمهلنا حتى نستعد ويرى المصلحة في مباشرة المقاتلة كما يدل عليه قوله : ( حتى يصبح وينظر ) : أي : إليهم كما في نسخة ; أي : يتأمل في حالهم ، ويستدل على عقائدهم بأفعالهم ( فإن سمع أذانا ) : أي : إعلاما بالصلاة ( كف عنهم ) : أي : امتنع عن قتالهم وأخذ أموالهم ( وإن لم يسمع أغار عليهم ) : قال القاضي : أي : كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة حذرا عن أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلا عنه جاهلا بحاله . قال الخطابي : فيه بيان أن الأذان شعار لدين الإسلام لا يجوز تركه ، فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه اهـ . وكذا نقل عن الإمام محمد من أئمتنا . ( قال ) : أي : أنس رضي الله عنه ( فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا ، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة ) : وهو زوج أم أنس ( وإن قدمي لتمس قدم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : قيل : يعني كنت أنا وأبو طلحة والنبي راكبين على بعير واحد ، والظاهر أن مس القدم كناية عن كمال الدنو والقرب ، ولا يلزم منه كونه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعير واحد . ( قال ) : أي : أنس ( فخرجوا ) : أي : أهل خيبر من حصنهم ( إلينا ) : أي : غير عالمين بنا بل قاصدين عمارة نخيلهم ( بمكاتلهم ) : جمع مكتل بكسر الميم وهو الزنبيل الكبير ( ومساحيهم ) جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد والميم زائدة ; لأنه من السحو ; أي : الكشف لما يكشف به الطين عن وجه الأرض ، ( فلما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : محمد ، والله ) : أي : هذا محمد ، أو أتانا محمد ، وقوله : ( محمد ) : تأكيد ( والخميس ) : أي : ومعه الجيش ، كذا ذكره التوربشتي ، وقال النووي : الخميس عطف على قوله " محمد " وروي منصوبا على أنه مفعول معه قال الطيبي رحمه الله على الأول والخميس حال ، والخبر مقدر ، والعامل اسم الإشارة اهـ . وفي كونه مفعولا معه إشكال إلا أن يقال التقدير : وصل محمد والخميس ، وسمي الجيش خميسا ; لانقسامه خمسة أقسام : المقدمة ، والساقة ، والميمنة ، والميسرة ، والقلب ، أو لتخميس الغنائم فيه ( فلجئوا ) : أي : فرجعوا والتجئوا ( إلى الحصن ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي : هاربين ( قال ) : تفاؤلا بانهزامهم وانكسارهم وخراب ديارهم ( الله أكبر ) : أي : أعز وأغلب ( الله أكبر ) : تأكيد ، أو المراد في الدنيا والعقبى ( خربت خيبر ) : خبر ، أو دعاء ( إنا ) : أي : معشر الإسلام ، أو معاشر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( إذا نزلنا بساحة قوم ) : قال الطيبي : جملة مستأنفة بيان الموجب خراب خيبر ، وقوله : الله ( أكبر الله ) أكبر فيه معنى التعجب من أنه تعالى قدر نزوله بساحتهم بعدما أنذروا ، ثم أصبحهم وهم غافلون عن ذلك ، وفي شرح مسلم : الساحة الفضاء وأصلها الفضاء بين المنازل ( فساء صباح المنذرين ) : بفتح الذال ; أي : الكفار ، واللام للعهد أو للجنس ; أي : بئس صباحهم لنزول عذاب الله بالقتل والإغارة عليهم إن لم يؤمنوا ، وفيه اقتباس من قوله تعالى : أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين [ ص: 2532 ] قال البيضاوي : فإذا نزل العذاب بفنائهم شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بعثه ، وقيل الرسول وقرئ ( نزل ) على إسناده إلى الجار والمجرور ، ونزل ; أي : العذاب فبئس صباح المنذرين صباحهم ، واللام للجنس والصباح مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ، ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر . ( متفق عليه ) : ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .

قال النووي : فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو ، وفيه جواز الاستشهاد في مثل هذا الشأن بالقرآن في الأمور المحققة ، وقد جاء له نظائر ؛ منها عند فتح مكة وطعن الأصنام . قال : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا قال العلماء ، ويكره من ذلك ما كان على سبيل ضرب المثل في المحاورات ولغو الحديث تعظيما لكتاب الله تعالى . قلت : بل صرح بعض علمائنا بكفر من وضع كلام الله تعالى موضع كلامه بأن خاطب شخصا مسمى بيحيى مناولا له بكتاب . وقال : يايحيى خذ الكتاب بقوة وكذا وضع بسم الله موضع كل ذا دخل ونحوهما ، وأما قوله له : جاء الحق وزهق الباطل فليس من باب الاستشهاد بل من باب الامتثال حيث قال تعالى : له : وقل جاء الحق وزهق الباطل وكذا من قال عند قوله تعالى : وقل رب زدني علما ونحوه بل يستحب له ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية