صفحة جزء
3963 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء على حمار ، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى سيدكم " . فجاء فجلس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هؤلاء نزلوا على حكمك " . قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية . قال : " لقد حكمت فيهم بحكم الملك . وفي رواية : " بحكم الله . متفق عليه .


3963 - ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما نزلت بنو قريظة ) : بالتصغير طائفة من اليهود ( على حكم سعيد بن معاذ ) . قال القاضي : إنما نزلوا بحكمه بعدما حاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وعشرين يوما وجهدهم الحصار ، وتمكن الرعب في قلوبهم ; لأنهم كانوا حلفاء الأوس ، فحسبوا أنه يراقبهم ويتعصب لهم ، فأبى إسلامه وقوة دينه أن يحكم فيهم بغير ما حكم الله فيهم ، وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة في شوالها حين نقضوا عهدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووافقوا الأحزاب ، روي أنهم لما انكشفوا عن المدينة وكفى الله المؤمنين شرهم أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظهر اليوم الذي تفرقوا في ليلته فقال : وضعتم السلاح والملائكة لم يضعوه ، فإن الله تعالى أمركم بالمسير إلى بني قريظة فائتهم عصرهم ( بعث ) : جواب لما ; أي أرسل وفي نسخة ، إليه ; أي إلى سعد ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء على حمار ) ; أي شاكيا وجعه ، فإنه قد أصيب يوم الخندق ( فلما دنا ) : أي قرب ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم ) : قال النووي : فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم والقيام لهم إذا أقبلوا واحتج به الجمهور ، وقال القاضي عياض : ليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذاك فيمن يقومون عليه وهو جالس ، ويتمثلون قياما طول جلوسه ، وقيل : لم يكن هذا القيام للتعظيم ، بل كان للإعانة على نزوله لكونه وجعا ، ولو كان المراد منه قيام التوقير لقال : قوموا لسيدكم ، ويمكن دفعه بأن التقدير قوموا متوجهين إلى سيدكم ، لكن [ ص: 2548 ] الأول أظهر ; لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ما كانوا يقومون له - صلى الله عليه وسلم - لكراهيته للقيام . ( فجاء فجلس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هؤلاء ) : أي بني قريظة ( نزلوا على حكمك ) . قال النووي : وإنما فوض الحكم إلى سعد ; لأن الأوس طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - العفو عنهم ; لأنهم كانوا حلفاءهم فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منهم ) فرضوا به . ( قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة ) : بكسر التاء ; أي من يتأتى منهم القتال ولو بالرأي . ( وأن تسبى الذرية ) ; أي النساء والصبيان ( قال ) : أي النبي عليه الصلاة والسلام ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك ) . بكسر اللام وهو الله ويؤيده قوله : ( وفي رواية : بحكم الله ) : أي أصبت بهم وقضيت بقضاء ارتضى الله به ، ويروى بفتحها ; أي الملك النازل بالوحي وهو جبريل ، أو الذي ألقى الصواب في القلب . قال النووي : الرواية المشهورة الملك بكسر اللام ويؤيده الرواية الأخرى . قال القاضي : وضبطه بعضهم في صحيح البخاري بكسر اللام وفتحها ، فإن صح الفتح ، فالمراد به جبريل ; أي الحكم الذي جاء به جبريل عن الله تعالى اهـ . وفيه جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهماتهم العظام ، ولا يخالف في هذا الإجماع إلا الخوارج ، فإنهم أنكروا على علي رضي الله عنه التحكيم ، وإذا حكم الحاكم العادل في شيء لزمه حكمه ، ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه بعد الحكم ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية