صفحة جزء
3987 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرئسه ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لفرسه . متفق عليه .


3987 - ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لفرسه ) : قال المظهر : اللام في له للتمليك ، وفي لفرسه للتسبب ; أي : لأجل فرسه ، في شرح السنة : لفنائه في الحرب ، إذ مؤنة فرسه إذا كان معلوفا تضاعف على مؤنة صاحبه . قال ابن الملك : وهذا قول الأكثر وقيل : للفارس سهمان ، وعليه أبو حنيفة أخذا بما سيأتي في الحسان من أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفارس سهمين اهـ . فأخذ أبو حنيفة بالمتيقن وترك المشكوك . ( متفق عليه ) : قال التوربشتي : هذا الحديث صحيح لا يروون خلافه ، وإنما ترك أبو حنيفة العمل بهذا الحديث لا لرأيه ، بل لما يعارضه من حديث ابن عمر أنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " للفارس سهمان وللراجل سهم " . وأبو حنيفة أخذ بحديث مجمع بن حارثة ، وهو مذكور في الحسان .

قال النووي : اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون : للفارس ثلاثة أسهم ، وقال أبو حنيفة : للفارس سهمان فقط سهم له وسهم لها ، ولم يقل بقوله هذا أحد إلا ما روي عن علي وأبي يوسف ، وحجة الجمهور هذا الحديث وهو صريح ، وأما الحديث المذكور ، فيه قسم في النفل : للفرس سهمين وللرجل سهما هكذا في أكثر الروايات ، وفي بعضها : للفرس سهمين وللراجل سهما بالألف ، وفي بعضها للفارس سهمين ، والمراد بالنفل هنا الغنيمة لغة ، فإن النفل في اللغة الزيادة والعطية والغنيمة عطية من الله تعالى ، ومن روى الراجل بالألف ، فرواية محتملة فيتعين حملها على موافقة الأول جمعا بين الروايتين .

قال الطيبي : يريد أنه لما تعارض الروايتان في هذا الحديث أعني فارسا وفرسا وراجلا ورجلا ، فينبغي أن ترجح إحدى الروايتين عن الأخرى ، فرجحنا الأولى لحديث ابن عمر على أن رواة إحدى الروايتين أكثر من الأخرى ، وأن تؤول الأخرى بأن المراد بالسهم النصيب على الإجمال ; أي : للفارس نصيبان نصيب له ونصيب لفرسه ، فيكون المبين للرواية الأخرى ، وحديث ابن عمر يبينه الحديث الذي يتلوه في قول ابن الأكوع : أعطاني - صلى الله عليه وسلم - سهمين ، إذ لم يرد به المساواة لقوله : " سهم للفارس وسهم للراجل " .

قال ابن الهمام : عند أبي حنيفة وزفر للفارس سهمان وللراجل سهم ، وعندهما وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم : للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم ، لهم ما روي عن ابن عمر : أنه عليه الصلاة والسلام جعل للفرس سهمين ولصاحبها سهما هذا لفظ البخاري ، وأخرجه الستة إلا النسائي ، وفي مسلم عنه : قسم النفل للفرس سهمين وللراجل سهما ، وفي رواية بإسقاط لفظ النفل ، وفي رواية أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه ، وهذه الألفاظ كلها تبطل قول من أول من الشراح كون المراد من الراجل الرجالة ، ومن الخيل الفرسان ، بل في بعض الألفاظ القابلة : قسم خيبر على ثمانية عشر سهما ، وكان الرجالة ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتين ، واستدل صاحب الهداية لأبي حنيفة بما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أنه عليه الصلاة والسلام أعطى للفارس سهمين وللراجل سهمين ، وهو غريب من حديث ابن عباس ، بل الذي رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه قال : أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما ، لكن في هذا أحاديث منها . ما في أبي داود ، عن مجمع يعني ما سيأتي في الفصل الثاني ، ومنها : ما في معجم الطبراني عن المقداد بن عمرو ، أنه كان يوم بدر على فرس يقال له سبحة ، فأسهم له النبي - صلى الله عليه وسلم - سهمين : لفرسه سهم واحد وله سهم واحد ، وكذا في مسند الواقدي ، وأخرج الواقدي ; أيضا في المغازي عن جعفر بن خارجة قال : قال الزبير بن العوام : شهدت بني قريظة فارسا فضرب لي بسهم ، وأخرج ابن مردويه في تفسيره بسنده إلى عروة عن عائشة قالت : أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق ، فأخرج الخمس منها ، ثم قسمها بين المسلمين فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما ، ومنها : حديث ابن عمر الذي عارض به صاحب الهداية ، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، ثنا أبو أسامة وابن نمير قالا : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، جعل للفارس سهمين وللراجل سهما اهـ .

[ ص: 2571 ] ومن طريقه رواه الدارقطني ، ورواه القعنبي بالشك ، في الفارس ، أو الفرس ، ومن طريق جزم بالفارس . ورواه الدارقطني ; أيضا في كتابه المؤتلف والمختلف ، وإذا ثبت التعارض في حديث ابن عمر ، بل في فعله عليه الصلاة والسلام مطلقا نظرا إلى تعارض رواية غير ابن عمر ; أيضا ترجح النفي بالأصل ، وهو عدم الوجوب ، وبالمعنى وهو أن الكر والفر واحد والثبات جنس ، فهما اثنان للفارس وللراجل أحدهما وله ضعف ما له . فإن قيل : المعارضة الموجبة للترك فرع المساواة ، وحديث ابن عمر في البخاري فهو أصح . قلنا : قدمنا غير مرة أن كون الحديث في كتاب البخاري أصح من حديث آخر في غيره ، مع فرض أن رجاله رجال الصحيح ، أو رجال روى عنهم البخاري تحكم محض لا نقول به ، مع أن الجمع وإن كان أحدهما أقوى من الآخر أولى من إبطال أحدهما ، وذلك فيما قلنا بحمل رواية ابن عمر على التنفيل ، وكذا حديث أحمد أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الزبير سهما وفرسه سهمين ، وكذا حديث جابر : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة ، فأعطى الفارس منا ثلاثة أسهم ، وأعطى الراجل سهما ، بل هذا ظاهر في أنه ليس أمره المستمر ، وإلا لقال : كان عليه الصلاة والسلام ونحوه ، فلما قال غزاة ، وقد علم أنه شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوات ، ثم خص هذا الفعل بغزاة منها ، كان ظاهرا في أن غيرها لم يكن كذلك ، وما في حديث سهل بن أبي حثمة ، أنه شهد حنينا فأسهم لفرسه سهمين وله سهما ، لا يقتضي أن ذلك مستمر عنه عليه الصلاة والسلام ، أما حديث ابن أبي كبشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله " . فلا يصح ; لأن رواية محمد بن عمران القيسي أكثر الناس على تضعيفه وتوهينه اهـ . وعلى تقدير صحته يحتمل التنفيل كما يدل عليه قوله : إني جعلت على ما هو الظاهر ، والله أعلم بالسرائر والضمائر .

التالي السابق


الخدمات العلمية