صفحة جزء
3989 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه ، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقمت على أكمة ، فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا : يا صباحاه ، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل ، وأرتجز وأقول : أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فما زلت أرميهم وأعقر بهم حتى ما خلق لله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري ، ثم اتبعتهم أرميهم ، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ، ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة ، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة " . قال ، ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس وسهم الراجل ، فجمعهما إلي جميعا ، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة . رواه مسلم .


3989 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره ) : أي إبله ومركوبه . في النهاية : الظهر الإبل التي يحمل عليها ويركب يقال : عند فلان ظهر ; أي إبل ( مع رباح ) : بفتح الراء ( غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : أي مولى له ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ( وأنا معه فلما أصبحنا ) : أي في منزل ( إذا ) : للمفاجأة ( عبد الرحمن الفزاري ) : بفتح الفاء والزاي ، روي بقاف مضمومة ( قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قمت على أكمة ) : بفتحات ; أي : مكان مرتفع ( فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا ) : أي : ثلاث مرات ( يا صباحاه ) : كلمة يقولها المستغيث ، وأصلها إذا صاحوا للغارة ; لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح فكأن المستغيث يقول : قد غشينا العدو ، وقيل : هو نداء المقاتل عند الصباح يعني : قد جاء وقت الصباح فتهيئوا للقتال ، ( ثم خرجت في آثار القوم ) : أي أعقابهم ( أرميهم بالنبل ) : أي السهم ( وأرتجز ) : في القاموس : الرجز محركة ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ، سمي لتقارب أجزائه وقلة حروفه ، وزعم الخليل أنه ليس بشعر ، وبها هو أنصاف أبيات وأثلاث ، والأرجوزة القصيدة منه ، وقد رجز وارتجز ورجز به ورجزه أنشد أرجوزة . ( أقول ) : بدل ، أو حال ; أي قائلا ( أنا ابن الأكوع ) : بسكون العين وفي نسخة بكسرها ( واليوم يوم الرضع ) : بضم الراء وتشديد المعجمة جمع [ ص: 2573 ] راضع . قال النووي أي : يوم هلاك اللئام من قولهم : لئيم راضع أي : رضيع اللؤم في بطن أمه ، وقيل : لأنه يمص حلمة الشاء والناقة ؛ لئلا يسمع السؤال ، والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه ، وقيل : اليوم يعرف من أرضعته كريمة فأشجعته ، أو لئيمة فهجنته ، وقيل : معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره اهـ . أو المعنى اليوم تهلكون أيهـا الكفار بأيدينا ، فإنكم عاجزون كالأطفال الذين يرضعون عندنا ، ( فما زلت أرميهم ، وأعقر بهم ) أي : أقتل مركوبهم وأجعلهم راجلين بعقر دوابهم ( حتى ما خلق الله ) : " ما " نافية ( من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : من إبله بيان قوله من بعير ، ومن فيه زائدة تفخيما لشأنها ( إلا خلفته ) : بتشديد اللام أي : تركته ( وراء ظهري ) : فيه تجريد ، أو تأكيد ( ثم اتبعتهم ) : بتشديد التاء الأولى ( أرميهم ، حتى ألقوا ) أي : طرحوا ورموا أكثر من ثلاثين بردة ) : وهي شملة مخططة ، أو كساء أسود مربع صغير يلبسه الأعراب ( وثلاثين رمحا ، يستخفون ) : بتشديد الفاء أي : يطلبون الخفة بإلقائها في الفرار ( ولا يطرحون شيئا ) أي : من البرد والرمح وغيرهما ( إلا جعلت عليه آراما ) : بمد في أوله جمع إرم كعنب وأعناب وهو العلامة فقوله : ( من الحجارة ) : تجريد ، أو تأكيد ( إلا يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ) : في النهاية : كان من عادة الجاهلية إذا وجدوا شيئا في طريقهم لا يمكنهم استصحابه تركوا عليه حجارة يعرفونه بها ، حتى إذا عادوا أخذوه ( حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : أقبلوا ( ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : منهم ( بعبد الرحمن ) أي : الفزاري ( فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا " ) جمع فارس راكب الفرس ( اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ) بتشديد الجيم جمع راجل بمعنى الماشي على ما في القاموس ، ونظيره السيارة جمع سائر ، والنظارة جمع ناظر . قال النووي : فيه فضيلة الشهادة ومنقبة لسلمة وأبي قتادة ، وجواز الثناء على من فعل جميلا ، واستحقاق ذلك إذا ترتب عليه مصلحة وجواز عقر خيل العدو في القتال ، واستحباب الرجز في الحرب وجواز القول : بأني أنا ابن فلان وجواز المبارزة بغير إذن الإمام وحب الشهادة والحرص عليها ، وإلقاء النفس في غمرات الموت .

( قال ) أي : أبو سلمة ( ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس ) : وهو ثلاثة أسهم ، أو سهمان على ما سبق ، ( وسهم الراجل ) أي : أعطاني سهم فارس مع سهم راجل ; لأن معظم أخذ تلك الغنيمة كانت بسبب سلمة ، وللإمام أن يعطي من أكثر سعيه في الجهاد شيئا زائدا على نصيبه لترغيب الناس ، وإنما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجميع ; لأنه لم ينفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل القتال ، وقيل : إن من حضر الحرب قبل انقضائها بنية الحرب فهو شريك في الغنيمة ، وتسمى هذه الغزوة غزوة ذي قرد بفتح القاف ، والراء ، وهو موضع قريب من المدينة ، وكانت في السنة السادسة ، ( فجمعهما إلي جميعا ) أي : هذا من خصوصياتي . قال الخطابي : يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل فحسب ; لأن سلمة كان راجلا في ذلك اليوم ، وأعطاه الزيادة نفلا لما كان من جنس بلائه . ( ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : أركبني ( وراءه ) أي : وراء ظهره ( على العضباء ) : ناقة له صلى الله عليه وسلم ( راجعين ) : بصيغة التثنية وفي نسخة بصيغة الجمع ( إلى المدينة ، رواه البخاري ) : وكذا مسلم

[ ص: 2574 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية