صفحة جزء
3992 - وعنه ، قال : ذهبت فرس له فأخذها العدو ، فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : أبق عبد له ، فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون ، فرد عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .


3992 - ( وعنه ) أي : عن ابن عمر رضي الله عنهما ( قال : ذهبت فرس له ) أي : نفرت وشردت إلى الكفار ( فأخذها العدو ، فظهر ) أي : غلب ( عليهم ) أي : على العدو وهو يطلق على المفرد والجمع ( المسلمون فرد ) بصيغة المجهول أي : الفرس ( عليه ) أي : على ابن عمر ففي الصحاح : الفرس يؤنث وقد يذكر ، وفي القاموس : الفرس للذكر والأنثى ، لكن عدها ابن الحاجب في رسالته مما لا بد فيه من تأنيثه ، فيمكن أن يجعل الجار نائب الفاعل ، وفي نسخة : فردت عليه ( في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية : أبق عبد له فلحق بالروم ، فظهر عليهم المسلمون ، فرد عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ) : قال ابن الملك : فيه أنهم لا يملكون عبدا آبقا ، فإذا أخذوه وجب رده على صاحبه قبل القسمة وبعدها ، وبه قلنا . وفي شرح السنة : فيه دليل على أن الكفار إذا أحرزوا أموال المسلمين ، واستولوا عليها لا يتملكونها ، وإذا استنقذها المسلمون من أيديهم ترد إلى ملاكها ، وهو قول الشافعي ، سواء كان قبل القسمة ، أو بعدها خلافا لجماعة إذا كان بعد القسمة .

قال ابن الهمام : إن أبق عبد لمسلم ، أو ذمي وهو مسلم ودخل عليهم دار الحرب ، فأخذوه لم يملكوه عند أبي حنيفة وقالا : يملكونه ، وبه قال مالك وأحمد ، وأما لو ارتد فأبق إليهم فأخذوه ملكوه اتفاقا ، وكذا إذا ند بعير إليهم ، فأخذوه ملكوه فيتفرع على ملكهم إياه أنه لو اشتراه رجل وأدخله دار الإسلام ، فإنما يأخذه مالكه منه بالثمن إن شاء ، وإذا غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ، وهو قول مالك وأحمد ، إلا أن عند مالك بمجرد الاستيلاء يملكونها ، ولأحمد فيه روايتان كقولنا وقول مالك ، وقال الشافعي : لا يملكونها لما روى الطحاوي مسندا إلى عمران بن الحصين قال : كانت العضباء من سوابق الحاج ، فأغار المشركون على سرح المدينة ، وفيه العضباء ، وأسروا امرأة من المسلمين ، وكانوا إذا نزلوا يريحون إبلهم في أفنيتهم ، فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت على العضباء فأتت على ناقة ذلول ، فركبتها ، ثم توجهت قبل المدينة ، ونذرت لئن الله عز وجل نجاها لتنحرنها ، فلما قدمت عرفت الناقة ، فأتوا بها النبي [ ص: 2575 ] صلى الله عليه وسلم ، فأخبرت المرأة بنذرها فقال : " بئس ما جزيتها ، أو فديتها لا وفاء لنذر في معصية الله تعالى ولا فيما لا يملك ابن آدم " . وفي لفظ : فأخذ ناقته ، وللجمهور قوله تعالى ( للفقراء المهاجرين ) سماهم فقراء ، والفقير من لا يملك شيئا ، فدل على أن الكفار ملكوا أموالهم التي خلفوها وهاجروا عنها ، وليس من يملك مالا وهو في مكان لا يصل إليه فقيرا ، بل هو مخصوص بابن السبيل ، ولذا عطفوا عليهم في نص الصدقة ، وأما ما استدل به الشارحون مما في الصحيحين ، أنه قيل له عليه الصلاة والسلام في الفتح : أين تنزل غدا بمكة ؟ فقال : " هل ترك لنا عقيل من منزل " . وفي رواية : أتنزل بدارك ؟ قال : " فهل ترك لنا عقيل من رباع " . وإنما قال ; لأن عقيلا كان استولى عليه ، وهو على كفره فغير صحيح ; لأن الحديث إنما هو دليل أن المسلم لا يرث الكافر ، فإن عقيلا إنما استولى على الرباع بإرثه إياها من أبي طالب ، فإنه توفي وترك عليا وجعفرا مسلمين ، وعقيلا وطالبا كافرين ، فورثاه ; لأن الديار كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما هاجروا استولوا عليها فملكوها بالاستيلاء وروى أبو داود في مراسيله ، عن تميم بن طرفة قال : وجد رجل مع رجل ناقة له ، فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقام البينة أنها له ، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شئت أن تأخذ بالثمن الذي اشتراها به فأنت أحق وإلا فخل عن ناقته " . والمرسل حجة عندنا ، وعند أكثر أهل العلم .

وأخرج الطبراني مسندا ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة وفي سنده يس الزيات مضعف ، وأخرج الدارقطني ، ثم البيهقي في سننهما ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عنه عليه الصلاة والسلام قال : فيما أحرز العدو فاستنفذه المسلمون منهم إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به ، وإن وجده قد قسم فإن شاء أخذه بالثمن . وضعف بالحسن بن عمارة . وأخرج الدارقطني عن ابن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له ، ومن وجده بعد ما قسم فليس له شيء " وضعف بإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، ثم أخرجه من طريق آخر فيه رشدين وضعف به ، وأخرجه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا : " من أدرك ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له ، وإن أدرك بعد أن يقسم فهو أحق بالثمن " وفيه يس ضعف به ، وقال الشافعي : واحتجوا أيضا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من أدرك ما أخذ العدو قبل أن يقسم فهو له ، وما قسم فلا حق له فيه إلا بالقيمة . قال : وهذا إنما روي عن الشعبي ، وعن عمرو ، عن رجاء بن حيوة ، عن عمر مرسلا ، وكلاهما لم يدرك عمر .

وروى الطحاوي بسنده إلى قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب قال : فيما أخذه المشركون فأصابه المسلمون فعرفه صاحبه إن أدرك قبل أن يقسم فهو له ، وإن جرت فيه السهام فلا شيء له . وروي عنه أيضا ، عن أبي عبيدة مثل ذلك ، وروي بإسناده إلى سليمان بن يسار ، عن زيد بن ثابت مثله . وروي أيضا بإسناده إلى قتادة عن جلاس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : من اشترى ما أحرز العدو فهو جائز ، والعجب ممن يشك بعد هذه الكثرة في أصل هذا الحكم ، ويدور في ذلك بين تضعيف بالإرسال ، أو التكلم في بعض الطرق ، فإن الظن بلا شك يقع في مثل ذلك أن هذا الحكم ثابت ، وأن هذا الجمع من علماء المسلمين لم يتعمدوا الكذب ، ويبعد أنه وقع غلط للكل في ذلك ، وتوافقوا في هذا الغلط ، بل لا شك أن الراوي الضعيف إذا كثر مجيء معنى ما رواه يكون مما أجاد فيه ، وليس يلزم الضعيف الغلط دائما ، ولا أن يكون أكثر حاله السهو والغلط ، هذا مع اعتضاده بما ذكرنا من الآية ، والحديث الصحيح ، وحديث العضباء كان قبل إحرازهم بدار الحرب ، ألا ترى إلى قوله : وكانوا إذا نزلوا منزلا إلخ . فإنه يفهم أنها فعلت ذلك وهم في الطريق اهـ . وبه يعلم حكم الحديثين السابقين في الأصل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 2576 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية