صفحة جزء
3997 - ( وعنه ) قال : أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له : مدعم فبينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم عائر فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا ، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا " . فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك ، أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " شراك من نار ، أو شراكان من نار " . متفق عليه .


3997 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال : أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ) أي : مملوكا ( يقال له ) أي : للغلام ( مدعم ) : بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملة . قال المؤلف : مدعم مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عبد أسود كان عبدا لرفاعة بن زيد فأهداه لرسول الله صلى الله عليه وسلم له ذكر في الغلول ( فبينما ) : بالميم ، وفي نسخة فبينا ( مدعم يحط ) أي : يضع ( رحلا ) أي : عن ظهر مركوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ) : بسكون الذال للمفاجأة وفي نسخة إذا ( أصابه سهم عائر ) : بكسر الهمزة المبدلة أي : لا يدرى من رماه ، وفي شرح السنة : هو العائد عن قصده ، ومنه عار الفرس إذا ذهب على وجهه كأنه منفلت ( قتله ، فقال الناس : هنيئا له ) أي : لمدعم ( الجنة ) ; لأنه مات في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في سبيل الله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا " ) : للردع أي : ليس الأمر كما تظنون ( " والذي نفسي بيده إن الشملة " ) : وهي كساء يشتمل به الرجل ( " التي أخذها يوم خيبر من المغانم " ) : وفي نسخة من الغنائم ( " لم تصبها المقاسم " ) : الضمير للشملة ، أو للغنائم ، والمعنى أخذها قبل قسمتها ، أو قبل إدخالها في القسمة . قال ابن الملك : الجملة حال من منصوب أخذها أي : غير مقسومة أي : أخذها قبل القسمة فكان غلولا ; لأنها كانت مشتركة بين الغانمين ولم يفد الرد شيئا ( " لتشتعل عليه نارا " ) أي : إن لم يعف الله ففيه رد لكلامهم المفهوم منه الجزم بأنه من أهل الجنة بغير سابقة عقوبة . وقال الطيبي ، قوله : إن الشملة إلخ . جواب عن قولهم هنيئا له الجنة مشعر بأنهم قطعوا على أنه الآن في الجنة يتنعم فيها ، وأدخل كلا ليكون ردعا لحكمهم وإثباتا لما بعده ، وينصره الرواية الأخرى : إني رأيته في النار ، وقوله : نارا تمييز ، وفيه مبالغة أي : الشملة اشتعلت وصارت بجملتها نارا . كقوله تعالى ( واشتعل الرأس شيبا ( ) ( فلما سمع ذلك ) أي : الوعيد الشديد ( الناس ) أي : الذين تهاونوا في أمر خيانة المغنم ، وظنوا أن محقراتها مما يتسامح فيها ( جاء رجل بشراك ) : بكسر أوله أحد سيور النعل التي تكون على وجهه ، ذكره في النهاية ( أو بشراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) : بالشك ( قال : شراك من النار " ) أي : إن لم يرد ، أو باعتبار ما كان ( " ، أو شراكان من نار " ) أي : يعذب بهما حال كونهما مجعولين من النار ، أو بمقدارهما منها ، وفيه تهديد عظيم ووعيد جسيم في حق من يأكل من المال الذي يتعلق به حق جمع من المسلمين كمال الأوقاف وكمال بيت المال ، فإن التوبة مع الاستحلال ، أو رد حقوق العامة متعذر ، أو متعسر .

[ ص: 2583 ] قال النووي : فيه تنبيه على المعاقبة بهما إما بنفسهما أي : يغلى بهما وهما من نار ، أو هما سببان لعذاب النار ، وفيه غلظ تحريم الغلول ، وأنه لا فرق بين قليله وكثيره في التحريم حتى الشراك ، وأن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل . قلت : وفيه بحث ؛ إذ لا دلالة في الحديث على نفي شهادته ، كيف وقد قتل في سبيل الله وخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يشترط في الشهيد لا يكون عليه ذنب ، أو دين بالإجماع ، وجواز الحلف بالله من غير ضرورة قالت بل هو لتأكيد الحكم ، فليس بلا فائدة وأن من رد شيئا مما غل يقبل منه ولا يحرق متاعه ، وأما حديث : من غل فاحرقوا متاعه ، فضعيف بين ابن عبد البر وغيره ضعفه ، وقال الطحاوي : لو كان صحيحا لكان منسوخا اهـ . وفيه : أن الحديث إنما يدل على رده قبل القسمة ، وإنما الكلام بعدها حيث يتعذر وصوله إلى أصحابه ، وسيأتي في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رده بعد القسمة ولم يقبله . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية