صفحة جزء
الفصل الثاني

4036 - عن معاذ رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ـ يعني : محتلم ـ دينارا ، أو عدله من المعافري : ثياب تكون باليمن رواه أبو داود .


الفصل الثاني

4036 - ( عن معاذ رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه ) أي : أرسله ( إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ) أي : بالغ ( يعني : محتلم ) : تفسير من أحد الرواة بمعنى أي : ولذا جر محتلم . قالالطيبي : يدل من طريق المفهوم على أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجل البالغ . قال ابن الهمام : لا جزية على امرأة ولا صبي ، وكذا على مجنون بلا خلاف ; لأن الجزية بدل عن قتلهم على قول الشافعي ، أو عن قتالهم نصرة للمسلمين على قولنا ، وهؤلاء ليسوا كذلك ، ولا على أعمى وزمن ومفلوج ، ولا من الشيخ الكبير الذي لا قدرة له على قتال ولا كسب ، ولا على فقير غير معتمل يعني الذي لا يقدر على العمل ، وعلى قول الشافعي عليه الجزية في ذمته له إطلاق حديث معاذ ، وهو قوله عليه السلام : " خذ من كل حالم " ولنا : أن عثمان بن حنيف بعثه عمر لم يوظف الجزية على فقير غير معتمل ، وروى ابن زنجويه في كتاب الأموال بسنده قال : أبصر عمر شيخا كبيرا من أهل الذمة يسأل فقال له : ما لك ، فقال : ليس لي مال وإن الجزية تؤخذ مني فقال له عمر : ما أنصفناك أكلنا شبيبتك ، ثم نأخذ منك الجزية ، ثم كتب إلى عماله أن لا تأخذوا الجزية من شيخ كبير ، ولا يوضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد اتفاقا ، ولا يوضع على الرهبان جمع راهب ، وقد يقال : للواحد رهبان أيضا بشرط أن لا يخالط الناس ، ومن خالط منهم عليه الجزية . ( دينارا ، أو عدله ) : بفتح العين ما يساوي الشيء من جنسه ، وبالكسر هو المثل كذا قاله بعضهم . وقال التوربشتي أي : ما يساويه ، وهو ما يعادل الشيء من غير جنسه فتحوا عينه للتفريق بينه وبين العدل الذي هو المثل اهـ . فينبغي أن يضبط بفتح العين لا غير ، لكنه في النسخ مضبوطا بالوجهين ، فكأنه مبني على عدم الفرق بينهما ، ففي مختصر النهاية : العدل بالكسر والفتح المثل ، وقيل : بالفتح ما عادله من جنسه ، وبالكسر ما ليس من جنسه ، وقيل : بالعكس . ( من المعافري ) : بفتح الميم والعين المهملة وكسر الفاء وتشديد الياء .

قال التوربشتي : معافر علم قبيلة من همدان لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ; لأنه جاء على مثال ما لا ينصرف من الجمع ، وإليهم تنسب الثياب المعافرية تقول : ثوب معافري فتصرفه . قال الطيبي ، قوله : معافر كذا في نسخ المصابيح ، وفي أبي داود ، وجامع الأصول من المعافري كما في المتن . قال ابن الهمام : المعافري ثوب منسوب إلى معافر بن مرة ، ثم صار اسما للثوب بلا نسبة ، ذكره في المغرب . وفي الجمهرة لابن دريد : معافر بفتح الميم موضع باليمن ينسب إليه الثياب المعافرية ، وفي غريب الحديث للقتيبي : البرد المعافري منسوب إلى معافر من اليمن ، وفي الجمهرة ، قال الأصمعي : ثوب معافر غير منسوب ، فمن نسب فقد أخطأ عنده اهـ .

[ ص: 2607 ] وقال شارح للمصابيح قوله : معافر أي : ثياب معافر بحذف المضاف . ( ثياب ) : بالرفع أي : هي ثياب ، وفي نسخة بالجر على البدل ( تكون باليمن ) : وفي نسخة باليمن ، قال القاضي : فيه دليل على أن أقل الجزية دينار ، ويستوي فيه الغني والفقير ; لأنه صلى الله عليه وسلم عمم الحكم ولم يفصل ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يؤخذ من الموسر أربعة دنانير ، ومن المتوسط ديناران ، ومن المعسر دينار اهـ .

وسبق أن هذا هو المذهب ، بل المستحب ، ثم مذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي ، ذكره الأصحاب في كتبهم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن عمر بن الخطاب وجه حذيفة بن اليمان ، وعثمان بن حنيف إلى السواد ، فمسحا أرضها ووضعا عليه الخراج ، وجعلا الناس ثلاث طبقات على ما قلنا ، فلما رجعا أخبراه بذلك ، ثم عمل عثمان كذلك رضي الله عنه ، وروى ابن أبي شيبة : حدثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي قال : وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجزية على رءوس الرجال على الغني ثمانية وأربعين درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرين ، وعلى الفقير اثني عشر درهما ، وهو مرسل . ورواه ابن زنجويه في كتاب الأموال ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا معدل عن الشيباني ، عن أبي عون ، عن المغيرة بن شعبة أن عمر وضع إلى آخره ، ومن طريق آخر رواه ابن سعد في الطبقات إلى أبي نصرة : أن عمر بن الخطاب وضع الجزية على أهل الذمة ، فيما فتح من البلاد ، ووضع على الغني إلخ . ومن طريق آخر أسنده أبو عبيد القاسم بن سلام إلى حارثة بن مضرب ، عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف ، فوضع عليهم ثمانية وأربعين ، وأربعمائة وعشرين ، واثني عشر ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير ، فحل محل الإجماع . قال : وما روي من وضع الدينار على الكل محمول على أنه كان صلحا ، فإن اليمن لم يفتح عنوة ، بل صلحا ، فوضع على ذلك ، وبه قلنا ، ولأن أهل اليمن كانوا أهل فاقة والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ، ففرض عليهم ما على الفقراء . يدل على ذلك ما رواه البخاري ، عن مجاهد قلت لمجاهد : ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير ، وأهل اليمن عليهم دينار ؟ قال : جعل ذلك من قبل اليسار ، قال : ثم اختلف في المراد من الغني والمتوسط والفقير ، فقيل : إن كان له عشرة آلاف درهم ، فهو موسر ، ومن كان له مائتان فصاعدا ما لم يصل إلى العشرة فمتوسط فمن كان معتملا أي : مكتسبا فهو معسر ، وقال الفقيه أبو جعفر : وينظر إلى عادة كل بلد في ذلك ، ألا ترى أن صاحب خمسين ألفا ببلخ يعد من المكثرين ، وفي البصرة وبغداد لا يعد مكثرا . ( رواه أبو داود ) : وكذا بقية الأربعة ذكره السيد جمال الدين .

وقال ابن الهمام : روى أبو داود والترمذي والنسائي ، عن الأعمش عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن معاذ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ، أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم دينارا ، أو عدله معافر من غير فصل بين غني وفقير . وقال الترمذي : حسن صحيح ، وذكر أن بعضهم رواه عن مسروق ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، قال : وهو أصح ، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ، وهذا كما ترى ليس فيه ذكر الحالم ، وفي مسند عبد الرزاق : حدثنا معمر وسفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن معاذ رضي الله عنهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى أن قال : " ومن كل حالم ، أو حالمة دينارا ، أو عدله معافر " . وكان معمر يقول : هذا غلط ليس على النساء شيء ، وفيه طرق كثيرة فيها ذكر الحالمة . قال أبو عبيد : هذا والله أعلم فيما نرى منسوخ إذ كان في أول الإسلام نساء المشركين وولدانهم يقتلون مع رجالهم ، ويستضاء لذلك بما روى الصعب بن جثامة : أن خيلا أصابت من أبناء المشركين فقال عليه السلام : " هم من آبائهم " . ثم أسند أبو عبيد ، عن الصعب بن جثامة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم ؟ قال : " نعم فإنهم منهم " ، ثم نهي عن قتلهم يوم خيبر .

[ ص: 2608 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية