صفحة جزء
4037 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصلح قبلتان في أرض واحدة ، وليس على المسلم جزية . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .


4037 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصلح قبلتان " ) أي : أهلهما يعني دينين ( " في أرض واحدة ، وليس على المسلم جزية " ) : قال التوربشتي أي : لا يستقيم دينان بأرض على سبيل المظاهرة والمعادلة فأما المسلم فليس له أن يختار الإقامة بين ظهراني قوم كفار ; لأن المسلم إذا صنع ذلك فقد أحل نفسه فيهم محل الذمي فينا ، وليس له أن يجر إلى نفسه الصغار ويتوسم بسمة من ضرب عليه الجزية وأنى له الصغار والذلة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، وأما الذي يخالف دينه دين الإسلام ، فلا يمكن من الإقامة في بلاد الإسلام إلا ببذل الجزية ، ثم لا يؤذن له في الإشاعة بدينه ، ووجه التناسب بين الفصلين أن الذمي إنما أقر على ما هو عليه ببذل الجزية ، والذمي عليه الجزية وليس على المسلم جزية ، فصار ذلك رافعا لإحدى القبلتين واضعا لإحداهما . وذهب بعضهم إلى أن معنى : وليس على المسلم جزية الخراج الذي وضع على الأراضي التي تركت في أيدي أهل الذمة ، والأكثرون على أن المراد منه أن من أسلم من أهل الذمة قبل أداء ما وجب عليه من الجزية ، فإنه لا يطالب به ; لأنه مسلم ، وليس على مسلم جزية ، وهذا قول سديد لو صح لنا وجه التناسب بين الفصلين اهـ .

وفيه أن وجه التناسب ليس بشرط ، إذ يحتمل أن الراوي سمع الفصلين في محلين ، ثم جمع بينهما في روايته ، وأظهر الحكمين ، ويؤيده ما ذكره في الجامع الصغير مفردا قوله : ليس على مسلم جزية . وقال : رواه أحمد وأبو داود مع احتمال أنه قطعه عن الحديث الطويل والله أعلم . وقيل : هذا الحديث إشارة إلى إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب . قال ابن الملك أي : لا يجوز أن يسكن المسلم والكافر في بلدة واحدة ، وهذا مختص بجزيرة العرب ، وأما قوله : وليس على مسلم جزية . فقيل : المراد بها الخراج الذي وضع على أراضي بلد فتح صلحا على أن يكون أراضيه لأهلها بخراج مضروب عليهم ، فإذا أسلموا سقط الخراج عن أراضيهم ، وتسقط الجزية عن رءوسهم حتى يجوز لهم بيعها بخلاف ما لو صولحوا على أن تكون الأراضي لأهل الإسلام ، وهم يسكنون فيها بخراج وضع عليهم ، أو فتح عنوة ، وأسكن أهل الذمة بخراج ، أو دونه ، فإنه لا يسقط بإسلامهم ولا بالموت . ( رواه أحمد والترمذي ، وأبو داود ) .

قال ابن الهمام : من أسلم وعليه جزية بأن أسلم بعد كمال السنة سقطت عنه ، وكذا لو أسلم في أثنائها خلافا للشافعي فيهما ، ولنا ما أخرجه أبو داود والترمذي ، عن جرير ، عن قابوس بن أبو ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على مسلم جزية " . قال أبو داود : وسئل سفيان الثوري عن هذا ؟ فقال : يعني إذا أسلم فلا جزية عليه ، وباللفظ الذي فسره به سفيان الثوري ، رواه الطبراني في معجمه الأوسط ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أسلم فلا جزية عليه " . وضعف ابن القطان قابوسا ، وليس قابوس في مسند الطبراني ، فهذا بعمومه يوجب سقوط ما كان استحق عليه قبل إسلامه ، بل هو المراد بخصوصه ; لأنه موضع الفائدة إذ عدم الجزية على المسلم ابتداء من ضروريات الدين ، فالإخبار به من جهة الفائدة ليس كالإخبار بسقوطها في حال البقاء ، وبهذا الحديث ونحوه أجمع المسلمون على سقوط الجزية بالإسلام ، فلا يرد طلب الفرق بين الجزية وبين الاسترقاق إذ كل منهما عقوبة على الكفر ، ثم لا يرتفع الاسترقاق بالإسلام ، وكذا خراج الأرض ، وترتفع الجزية ; لأن كلا منهما محل الإجماع ، فإن عقلت حكمته فذاك ، وإلا وجب الاتباع على أن الفرق بين خراج الأرض والجزية واضح ؛ إذ لا إذلال في خراج الأرض ; لأنه مؤنة الأرض كي تبقى في أيدينا ، والمسلم ممن يسعى في بقائها للمسلمين بخلاف الجزية ; لأنها ذل ظاهر وشعار ، وأما الاسترقاق فلأن إسلامه بعد تعلق ملك شخص معين ، بل استحقاق للعموم ، والحق الخاص فضلا عن العام ليس كالملك الخاص .

[ ص: 2609 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية