صفحة جزء
4107 - وعن جابر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل ، متفق عليه .


4107 - ( وعن جابر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل ) : في شرح السنة : اختلفوا في إباحة لحوم الخيل ، فذهب جماعة إلى إباحته . روي ذلك عن شريح ، والحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، وحماد بن أبي سليمان ، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق . وذهب جماعة إلى تحريمه ، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وهو قول أصحاب أبي حنيفة . قال النووي : واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ولم يذكر الأكل ، وذكر الأكل في الأنعام في الآية التي قبلها ، وبحديث خالد بن الوليد : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الخيل والبغال والحمير . رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه . وأجاب الأصحاب عن الآية : بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أن منفعتها مقصورة عليهما ، وإنما خصا بالذكر ؛ لأنه معظم المقصود من الخيل ، كقوله تعالى : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، فذكر اللحم ؛ لأنه معظم المقصود ، وقد أجمعوا على تحريم شحمه ودمه وأجزائه . قلت : وفي كونه نظيرا لذلك نظر ظاهر . قال : ولهذا سكت عن ذكر حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام : وتحمل أثقالكم ولم يلزم من هذا منع حمل الأثقال على الخيل . قلت : في سنن النسائي من حديث سلمة بن نفيل السكوني ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إذلال الخيل وهو امتهانها في الحمل عليها واستعمالها في الذل ، وأنشد أبو عمرو بن عبد البر في التمهيد لابن عباس رضي الله تعالى عنهما :


أحبوا الخيل واصطبروا عليها فإن العز فيها والجمالا

    إذا ما الخيل ضيعها أناس
ربطناها فأشركت العيالا

    نقاسمها المعيشة كل يوم
ونكسوها البراقع والجلالا

قال : وعن الحديث بأن علماء الحديث اتفقوا على أنه حديث ضعيف . قال أبو داود : هذا الحديث منسوخ . وقال النسائي : حديث الإباحة أصح ، ويشبه إن كان هذا صحيحا أن يكون منسوخا ، واحتج الجمهور بأحاديث الإباحة التي ذكرها مسلم وغيره ، وهي صحيحة صريحة ، ولم يثبت في النهي صحيح اهـ . ولا يخفى أن ما نقله عن أن داود ، والنسائي مخالف لدعواه من اتفاق المحدثين على أنه حديث ضعيف ، فإنه لو كان ضعيفا لما احتاجوا إلى القول بنسخه ، مع أن قول النسائي : حديث الإباحة أصح صريح في أن حديث التحريم صحيح ، وإذا [ ص: 6664 ] ثبت أنه صحيح عند المجتهدين فلا يلتفت إلى قول أحد من المتأخرين أن حديث معارضه أصح لعروض الفساد في الإسناد ، مع أنه قد يختص بإسناده ، ومن القواعد المقررة أنه إذا اجتمع دليل الحرمة والإباحة فتترجح الحرمة احتياطا ، وأما دعوى النسخ مع كونها مشتركة فتحتاج إلى بيان التاريخ من تقديم أحدها على الآخر ، وهو مفقود غير موجود ، ثم ظاهر الآية من إدراج الخيل مع البغال والحمير يقوي الحديث ويؤيده ، ومما يؤكده كونها آلة للجهاد حيث قال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وقد أقسم بها في قوله تعالى : والعاديات ضبحا وهي خيل الغزو التي تعدو فتصيح أي تصوت بأجوافها ، فلا يلائم أن تكون مما يذبح فيؤكل ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - على ما في الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرس وهو يقول : ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والغنيمة ) . ومعنى عقد الخير بنواصيها أنه ملازم لها كأنه معقود فيها ، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة على ما قاله الخطابي وغيره . قالوا : وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس ، وروى النسائي بإسناد جيد عن قتادة عن أنس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن شيء أحب إليه بعد النساء من الخيل .

وروي أن إسماعيل - عليه السلام - أول من ركبها ، ولذلك سميت العراب ، وكانت قبل ذلك وحشيا كسائر الوحوش ، فلما أذن الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت قال الله تعالى ( إني معطيكما كنزا ادخرته لكما ) ثم أوحى الله تعالى إلى إسماعيل أن اخرج فادع بذلك الكنز ، فخرج إلى أجياد وكان لا يدري ما الدعاء والكنز ، فألهمه الله عز وجل الدعاء ، فلم يبق على وجه الأرض فرس إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وتذللت له ، ولذلك قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - : ( اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل ) ولعل حديث الإباحة محمول على حال الضرورة جمعا بين الحديثين ، كما في نفس الحديث إشارة إليه ، والله أعلم . ( متفق عليه ) : واعلم أن الإمام مالكا قال بكراهة لحم الخيل والمرجح من مذهبه التحريم ، وأما لحم البغال والحمير الأهلية فحرام عند الثلاثة ، واختلفوا عن مالك في ذلك ، والمروي عنه أنها مكروهة مغلظة ، والمرجح عند محققي أصحابه التحريم ، وحكي عن الحسن أكل لحم البغال ، وعن ابن عباس إباحة الحمر الأهلية .

التالي السابق


الخدمات العلمية