صفحة جزء
[ ص: 407 ] 398 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : " رجعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق عجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا بهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء ) رواه مسلم .


398 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) بالواو ( قال : رجعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة ، حتى إذا كنا ) : أي : صرنا ( بماء بالطريق ) : قال الطيبي : الظرف الأول خبر كان والثاني صفة أي : إذا كنا نازلين بماء كائن في طريق مكة ( تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال ) بضم العين وتشديد الجيم جمع عاجل كجهال جمع جاهل ، وفي نسخة صحيحة بكسر العين وتخفيف الجيم جمع عاجل كقيام جمع قائم . قال الطيبي : تعجل بمعنى استعجل يعني تطلبوا تعجيل الوضوء عند العصر فتوضئوا عاجلين ، والأظهر أن معناه استعجلوا في السير وتقدموا علينا عند دخول العصر مبادرة إلى الوضوء فتوضئوا على العجلة بحكم ضيق الوقت من السفر ( فانتهينا ) : أي : وصلنا ( إليهم وأعقابهم ) : جمع عقب ( تلوح ) : أي : تظهر يبوستها جملة حالية وكذا ( لم يمسها الماء ) : جملة حالية مبينة لتلوح ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ويل " في النهاية الويل الخزي والهلاك والمشقة من العذاب نقله الطيبي . وقال الأبهري : جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء وأصح الأقوال في معناه ما رواه ابن حبان من حديث أبي سعيد : واد في جهنم وقيل شدة العذاب ، وقيل جبل من قيح ودم وقيل كلمة يقولها كل مكروب وأصلها الهلاك والعذاب ، والأظهر حمله على الأصل أي : هلاك عظيم وعقاب أليم " للأعقاب : أي : لأصحابها " من النار " : قال الطيبي : خص العقب بالعذاب لأنه العضو الذي لم يغسل فالتعريف للعهد ، وقيل : أراد صاحب العقب فاللام للعهد والمضاف محذوف ، وذلك لأنهم ما كانوا يستقصون على أرجلهم في الوضوء " أسبغوا الوضوء " بضم الواو أي : أتموه بإتيان جميع فرائضه وسننه أو أكملوا واجباته ، ولو ثبت فتح الواو لكان له وجه وجيه أي : أوصلوا ماء الوضوء إلى الأعضاء بطريق الاستيعاب والاستقصاء ، قيل : لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام وأحكامه ، فتجوزوا أي تسامحوا في غسل أرجلهم لجهلهم بأحكام الشرع كذا ذكره ابن الملك ، وفيه نظر إذ الظاهر أن هذا وقع حين العجلة كما تقدم ، وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين على وجه الاستيعاب وهو المنقول من فعله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين . وقال بعض الشراح : ظاهره يدل على وجوب غسل الرجلين خلافا للشيعة وقراءة جر ( أرجلكم ) تعارضها قراءة نصبه ، وحمل الجر على المجاورة كما في جحر ضب خرب وماء شن بارد ، وكقوله تعالى عذاب يوم أليم ، وحور عين " أولى من حمل النصب على محل المجرور لأنه الموافق للسنة الثابتة الشائعة فيجب المصير إليه . وقال الإمام النووي : هذا الحديث دليل على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ وعليه جمهور الفقهاء في الأعصار والأمصار ، وقالوا : لا يجب المسح على الغسل وهو مذهب داود ، ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع وأيضا كل من وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواضع مختلفة وعلى صفات متعددة متفقون على غسل الرجلين اهـ . وفائدة الجر ما قاله صاحب الكشاف من أن الأرجل مظنة الإفراط في الصب عليها . وقال ابن حاجب : عطف الأرجل على الرءوس مع إرادة كونها مغسولة من باب الاستغناء بأحد الفعلين المتناسبين عن الآخر كقوله :


يا ليت زوجك قد أتى متقلدا سيفا ورمحا

وقول الآخر :


علفتها تبنا وماء باردا

نقله الطيبي وقال بعضهم : وهو أظهر إذ القراءتان مجملتان في الآية يبينهما فعله عليه الصلاة والسلام حيث مسح حال كون الرجلين لابستي الخف ، وغسل حال كونهما عاريتين عن الخف مع إفادتهما الترتيب ندبا أو وجوبا ، والله أعلم . ( رواه مسلم ) . وأصله عند البخاري قاله ابن حجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية