صفحة جزء
4115 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا وقع الذباب في إناء أحد فليغمسه كله ثم ليطرحه ; فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء " . رواه البخاري .


4115 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا وقع الذباب ) : قيل سمي به ؛ لأنه كلما ذب آب أي : سقط ( في إناء أحدكم فليغمسه ) : بفتح الياء وكسر الميم ، وفي رواية فليمقله أي : فليدخله ( كله ) أي : بجناحيه فيما في الإناء من ماء وغيره ، وفيه أنه ظاهر لا ينجسه إذ ليس له دم سائل . ( ثم ليطرحه ) : بسكون اللام وكسرها أي : يخرجه ويرميه ، وفي رواية ليترعه ( فإن في أحد جناحيه ) : بفتح الجيم أي : طرفيه ( شفاء ) : بكسر أوله أي : دواء ( وفي الآخر داء ) : وفي رواية : وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ، والظاهر أن الداء والشفاء محمولان على الحقيقة إذ لا باعث للحمل على المجاز . قال التوربشتي : قد وجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء وللآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقته وبدائع فطرته شواهد ونظائر ، فمنها النحلة يخرج من بطنها الشراب النافع ، وينبت من إبرتها السم الناقع ، والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك بجرمها ، وأما اتقاؤه بالجناح الذي فيه الداء على ما ورد في غير هذه الرواية ، وهو في الحسان من هذا الباب ، فإن الله تعالى ألهم الحيوان بطبعه الذي جبله عليه ما هو أعجب من ذلك ، فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة التي هي أصغر وأحقر من الذباب كيف تسعى في جمع القوت ، وكيف تصون الحب عن الندى باتخاذ الريعة على نشز من الأرض ، ثم لينظر إلى تجفيفها الحب في الشمس إذا أثر فيه الندى ، ثم إنها تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لأنها لا تنبت ، وهي صحيحة . فتبارك الله رب العالمين ! وأية حاجة بنا إلى الاستشهاد على ما أخبر عنه الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم : لولا الحذر من اضطراب الطبائع والشفقة على عقائد ذوي الأوضاع الواهية وإلى الله للجار منه العصمة والنجاء . وفي شرح السنة : فيه دليل على أن الذباب طاهر ، وكذلك أجسام جميع الحيوانات إلا ما دل عليه السنة من الكلب والخنزير ، وفيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة إذا مات في ماء قليل أو شراب لم ينجسه ، وذلك مثل الذباب والنحل والعقرب والخنفساء والزنبور ونحوها . وهذا لأن غمس الذباب في الإناء قد يأتي عليه ، فلو كان ينجسه إذا مات فيه لم يأمره بالغمس للخوف من تنجس الطعام ، وهذا قول عامة الفقهاء اهـ .

[ ص: 2668 ] وقال في اختلاف الأئمة : لا يفسد المائع عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - ومالك رحمه الله ، وأنه طاهر في نفسه ، والراجح من مذهب الشافعي أنه لا ينجس المائع ، ولكنه ينجس في نفسه بالموت ، وهذا مذهب أحمد . ( رواه البخاري ) : وكذا أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان . وفي الجامع الصغير بلفظ : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء ) رواه البخاري ، وابن ماجه عنه ، وسيأتي روايات أخر في آخر الفصل الثاني من هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية