صفحة جزء
18 - وعن عبادة بن الصامت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابه : ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف . فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ، ثم ستره الله عليه في الدنيا فهو إلى الله ؛ إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) فبايعناه على ذلك . متفق عليه .


18 - ( وعن عبادة بن الصامت : - رضي الله عنه - ) بضم العين وتخفيف الموحدة ، يكنى أبا الوليد الأنصاري ، كان نقيبا ، وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة ، وشهد بدرا والمشاهد كلها ، ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما ، فأقام بحمص ، ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها في الرملة ، وقيل : ببيت المقدس سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين . روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحوله ) : نصبه على الظرف ، وهو خبر لقوله : ( عصابة ) : بالكسر اسم جمع كالعصبة ، لما بين العشرة إلى الأربعين ، من العصب وهو الشد ، كأن بعضهم يشد بعضا ، أو من العصب لأنه يشد الأعضاء ، والجملة حالية ( من أصحابه ) : صفة لعصابة ( بايعوني ) أي عاقدوني وعاهدوني تشبيها لنيل الثواب في مقابلة الطاعة بعقد البيع الذي هو مقابلة مال بمال ، ووجه المفاعلة أن كلا من المتبايعين يصير كأنه باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته . قال الله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) الآية ( على أن لا تشركوا بالله شيئا ) : مفعول به أو مفعول مطلق ، قيل : الصحيح أن المراد به الرياء ( ولا تسرقوا ) وهو أخذ مال الغير محرزا بخفية ( ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ) : بدفنهم أحياء ، فصبيانكم خشية إملاق وافتقار ، وبناتكم خوف لحوق عار وعيب ( ولا تأتوا ببهتان ) : الباء للتعدية وهو الكذب الذي يبهت سامعه ، المراد به القذف ( تفترونه ) أي تختلقونه وتخترعونه صفة بهتان ( بين أيديكم وأرجلكم ) أي من عند أنفسكم ، وعبر بهما عن الذات والنفس ؛ لأن معظم الأفعال تزاول وتعالج باليد والرجل ، وقيل : معناه : لا تبهتوا الناس بالعيوب كفاحا وشفاها كي لا يشاجر بعضكم بعضا ، كما يقال : فعلت هذا بين يديك أي بحضرتك ، وهذا النوع أشد البهت ، أو لا تنسبوه مبنيا على ظن فاسد وغير مبطن من ضمائركم وقلوبكم التي هي بين أيديكم وأرجلكم ، وقيل : معناه : ولا تلحقوا بالرجال الأولاد من غير أصلابهم ، فإن إحداهن في الجاهلية كانت تلتقط المولود وتقول لزوجها : هو ولدي منك ، فعبر بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلحقه بزوجها كذبا ؛ لأن بطنها الذي يحمله بين يديهـا ، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها . ( ولا تعصوا ) بضم الصاد - تعميم بعد تخصيص ( في معروف ) : ما عرف في الشرع حسنه ، أو قبحه ( فمن وفى منكم ) : بالتخفيف ويشدد ( فأجره على الله ) قال الطيبي : لفظ " وفى " دل على أن الأجر إنما ينال بالوفاء بالجميع ؛ لأن الوفاء هو الإتيان بجميع ما التزمه من العهود والحقوق ، وأما العقاب فإنه ينال بترك أي واحد كان اهـ .

[ ص: 92 ] وفيه أنه إن كان المراد بالأجر كماله فالأمر كذلك ، وإلا فلا يتوقف أجر امتثال طاعة أو اجتناب معصية على الآخر ، ويدل عليه المذهب الصحيح أن التوبة عن بعض الذنوب صحيحة خلافا للخوارج . ( ومن أصاب من ذلك ) أي المذكور ( شيئا فعوقب ) أي ( به ) كما في نسخة صحيحة ، يعني أقيم عليه الحد ( في الدنيا فهو ) أي الحد والعقاب ( كفارة له ) وزاد في نسخة ، وطهور - بفتح الطاء - أي يكفر إثم ذلك ، ولم يعاقب به في الآخرة ، وهذا الخاص بغير الشرك ، وأخذ أكثر العلماء من هذا أن الحدود كفارات ، وخبر : " لا أدري الحدود كفارات أم لا " أجابوا عنه بأنه قبل هذا الحديث ؛ لأنه فيه نفي العلم ، وفي هذا إثباته ، والمعنى : لا يعاقب عليه في الآخرة بل على عدم التوبة منه إن مات قبلها ؛ لأن تركها ذنب آخر غير ما وقع العقاب عليه ؛ لقوله تعالى : ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ويمكن أن يجعل الخلاف لفظيا ، والله أعلم . ( ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ) أي ذلك الشيء المصاب أي ( عليه ) : كما في نسخة : وعلى غيرها ، أي ستر الله ذلك المصيب أي ذنبه بأن لم يقم الحد عليه ( فهو ) أي المستور ( إلى الله ) أي أمره وحكمه من العفو والعقاب مفوض إليه ، فلا يجب عليه سبحانه عقاب عاص كما لا يجب عليه ثواب مطيع على المذهب الحق ( إن شاء عفا عنه ) قدم لسبق رحمته ( وإن شاء عاقبه ) رد على المعتزلة ( فبايعناه على ذلك ) وتسمى بيعة النساء كما في سورة الممتحنة ؛ ولذا قيل : عليكم بدين العجائز ( متفق عليه ) ورواه الترمذي ، والنسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية