صفحة جزء
4199 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع مائدته قال : " الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " . رواه البخاري


4199 - ( وعن أبي أمامة - رضي الله عنه : أن النبي كان إذا رفع ) : وفي رواية : إذا رفعت " ( مائدته ) : أي : من بين يديه كما في رواية ، وفي الحديث إشكال ; لأنهم فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام ، وثبت في الحديث الصحيح برواية أنس - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل على خوان كما تقدم في الكتاب ، فقيل في الجواب : بأنه أكل عليه في بعض الأحيان لبيان الجواز ، وبأن أنسا ما رأى ورآه غيره ، والمثبت مقدم على النافي . ويقال : إن المراد بالخوان ما يكون بخصوصه ، والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام ؛ لأنها مشتقة من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ، ولا يختص بصفة مخصوصة ، وقد تطلق المائدة ويراد بما نفس الطعام أو بقيته أو آثاره ، فيكون مراد أبي أمامة إذا رفع من عنده - صلى الله عليه وسلم - ما وضع عليه الطعام أو بقيته .

( قال ) : وفي رواية " يقول : أي رافعا صوته ، فإن من السنة أن لا يرفع صوته بالحمد عند الفراغ من الأكل إذا لم يفرغ جلساؤه كيلا يكون منعا لهم . ( الحمد لله ) : أي الثناء بالجميل على ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها الإنعام بالإطعام ( حمدا ) : مفعول مطلق للحمد إما باعتبار ذاته ، أو باعتبار تضمينه معنى الفعل أو لفعل مقدر ( كثيرا ) : أي لا ناهية لحمده كما لا غاية لنعمه ، ( طيبا ) : أي خالصا من الرياء والسمعة ، ( مباركا ) : هو وما قبله صفات لـ " حمدا " ، وقوله : ( فيه ) : ضميره راجع إلى الحمد أي : حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع ؟ لأن نعمه لا تنقطع عنا ، فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضا . ولو نية واعتقادا ، ( غير مكفي ) : بنصب " غير " في الأصول المعتمدة على أنه حال من الله ، أو من الحمد وهو أقرب ، وفي نسخة برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هو ، والمرجع هو هو ، ومكفي : اسم فاعل من الكفاية ، والضمير راجع إلى الحمد أي : لا يكتفي بهذا القدر من الحمد ، فإن كل حمد يحمد به الحامدون فهم فيه مقصرون ، وقيل : الضمير راجع إلى الله تعالى أي : غير محتاج إلى أحد فيكفي ، لكنه يطعم ولا يطعم ، ويكفي ولا يكفى ، وقيل : يحتمل أنه يكون من [ ص: 2709 ] كفات الإناء أي : غير مردود عليه إنعامه ، ويحتمل أن يكون الضمير للطعام ، ومعناه أنه غير مكفي من عندنا ، بل هو الكافي والرازق ، وذكر ابن الجوزي عن أبي منصور الجوالقي أن الصواب غير مكافأ بالهمز أي نعمة الله لا تكافأ . قال العسقلاني : وثبت هذا اللفظ هكذا في حديث أبي أمامة بالياء ، ولكل معنى والله أعلم . ( ولا مودع ) : بفتح الدال المشددة أي : غير متروك الطلب والرغبة فيما عنده فيعرض عنه ، قيل : ويحتمل أن يكون بكسر الدال على أنه حال من القائل أي : غير تارك الحمد ، أو تارك الطلب والرغبة فيما عنده ، وتعقب بأنه مع بعده لا يلائمه ما بعده وهو قوله : ( ولا مستغنى عنه ) : إذ الرواية فيه ليست إلا على صيغة المفعول ، كما هو مقتضى الرسم ، ومعناه غير مطروح ولا معرض عنه ، بل محتاج إليه فهو تأكيد لما قبله بدليل " لا " لا عطف تفسير كما قيل ونظر فيه بأنه ، بل فيه فائدة تستمد من سابقه نصا وهي أنه لا استغناء لأحد عن الحمد لوجوبه على كل مكلف إذ لا يخلو أحد من نعمة ، بل نعمه لا تحصى ، وهو في مقابلة النعم واجب كما صرحوا به ، لكن ليس المراد بوجوبه أن من تركه لفظا يأثم ، بل معناه أن من أتى به بالمعنى الأعم في مقابلة النعم أثيب عليه ثواب الواجب ، ومن أتى به لا في مقابلة شيء أثيب عليه ثواب المندوب ، أما شكر المنعم بمعنى امتثال أوامره واجتناب زواجره ، فهو واجب شرعا على كل مكلف يأثم بتركه إجماعا .

وقوله : ( ربنا ) : روي بالرفع والنصب والجر ، فالرفع على تقدير هو ربنا أو أنت ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا ، أو على أنه مبتدأ وخبره " غير " بالرفع مقدم عليه ، وأغرب الحنفي في شرح شمائله حيث قال : مبتدأ خبره محذوف ، أي : ربنا هذا ، والنصب على أنه منادى حذف منه حرف النداء ، أو على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني ، والجر على أنه بدل من الله . قال ابن حجر في شرح شمائله : والقول بأنه بدل من الضمير في " عنه " واضح الفساد ، إذ ضمير عنه للحمد ، كما لا يخفى على من له ذوق اهـ . وفيه أنه يجوز أن يكون ضمير " عنه " لله تعالى ، بل هو الأظهر ، فلا فساد فيه حينئذ أصلا . ( رواه البخاري ) : وفي الجامع الصغير : رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - بلفظ : " كان إذا رفعت مائدته قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا ، فيه الحمد لله الذي كفانا وأوانا غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية