صفحة جزء
[ ص: 2731 ] ( 1 ) باب الضيافة

الفصل الأول

4243 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " . وفي رواية بدل : ( الجار ) : ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه " . متفق عليه .


( 1 ) باب الضيافة

بكسر أوله . ففي القاموس : ضفته أضيفه ضيفا وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفا .

وقال الراغب : أصل الضيف الميل . يقال : ضفت إلى كذا ، وأضفت كذا إلى كذا .

والضيف من مال إليك نازلا بك ، وصارت الضيافة متعارفة في القرى ، وأصل الضيف مصدر ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم .

الفصل الأول

4243 - ( عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه ) ، في شرح السنة . قال تعالى : هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين قيل : أكرمهم إبراهيم - عليه السلام - بتعجيل قراهم والقيام بنفسه عليهم ، وطلاقة الوجه لهم ، وكان سلمان إذا دخل عليه رجل فدعا ما حضر خبزا وملحا . وقال : لولا أن نهينا أن يكلف بعضنا بعضا لتكلفت لك اهـ . وليس المراد توقف الإيمان على هذه الأفعال ، بل هو مبالغة في الإتيان بها ، كما يقول القائل لولده : إن كنت ابني فأطعني تحريضا له على الطاعة ، أو المراد من كان كامل الإيمان فليأت بها ، وإنما ذكر طرفي المؤمن به إشعارا بجميعها . وقيل : تخصيص اليوم الآخر بالذكر دون شيء من مكملات الإيمان بالله ; لأن الخير والمثوبة ورجاء الثواب والعقاب كلها راجعة إلى الإيمان باليوم الآخر ، فمن لا يعتقده لا يرتدع عن شر ، ولا يقدم على خير وتكريره ثلاث مرات للاهتمام والاعتناء بكل خصلة مستقلة . قالوا : وإكرام الضيف بطلاقة الوجه ، وطيب الكلام ، والإطعام ثلاثة أيام في الأول بمقدوره وميسره ، والباقي بما حضره من غير تكلف ، لئلا يثقل عليه وعلى نفسه وبعد الثلاثة يعد من الصدقة إن شاء فعل وإلا فلا . قالوا : ويشعر بأن الثلاثة ليست من الصدقة ، فيحتمل أنها واجبة ، لكنها نسخت بوجوب الزكاة ، أو جعلت كالواجب للعناية بها ، وأرادوا بما بعدها التبرع المباح ، والضيف يستوي فيه الواحد والجمع ، ويجوز أن يكون مصدرا .

( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يؤذ جاره ) : أي أقله هذا وإلا ففي رواية للشيخين : " فليكرم جاره " ، وفي رواية : " فليحسن إلى جاره " أي بأن يعينه على ما يحتاج إليه ، ويدفع عنه السوء ويخصصه بالنيل لئلا يستحق الوعيد والويل . قال - صلى الله عليه وسلم : ( أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعانك أعنته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر جدت عليه ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجز عنه الريح إلا بإذنه ، وإن اشتريت فاكهة فاهد له ، وإن لم تفعل فأدخله سرا ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ، ولا تؤذ بغبار قدرك إلا أن تغرف له منها . أتدرون ما حق الجار ؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحم الله تعالى " . رواه الغزالي - رحمه الله - في الأربعين ، وفي شرح مسلم للنووي . قال القاضي عياض : من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما ، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار ، والضيافة من محاسن الشريعة ومكارم الأخلاق ، وقد أوجبها الليث ليلة واحدة ، واحتج بحديث عقبة : " إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " ، وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق ، وحجتهم قوله - صلى الله عليه وسلم : " جائزته يوم وليلة " والجائزة : العطية والمنحة والصلة ، فذلك لا يكون إلا في الاختيار ، وقوله : ( فليكرم ) يدل على هذا أيضا إذ ليس يستعمل مثله في الواجب ، وتأولوا الأحاديث بأنها كانت في أول الإسلام ، أن كانت المواساة واجبة . واختلف أنها

[ ص: 2732 ] " على الحاضر والبادي أم على البادي ؟ فذهب الشافعي ومن تبعه إلى أنها عليهما . وقال مالك ومن وافقه : إنما ذلك على أهل البوادي لأن المسافر يجد في الحضر المنازل وما يشتري في الأسواق . ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا ، أو ليصمت ) : بضم الميم أي ليسكت كما في رواية وقد ورد : " من صمت نجا " ، كما رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ويعني إذا أراد أن يتكلم ، فإن كان ما يتكلم به خيرا يثاب عليه واجبا كان أو مندوبا فليتكلم به ، وإن لم يظهر له خبره سواء ظهر أنه حرام أو مكروه أو مباح ، فليمسك عنه فالكلام المباح مأمور بتركه مخافة انجراره إلى الحرام . ( وفي رواية ) : أي للبخاري ( بدل الجار ) : أي بدل الجملة التي فيها ذكر الجار ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) : فيه إشارة إلى أن القاطع كأنه لم يؤمن بالله واليوم الآخر لعدم خوفه من شدة العقوبة المترتبة على القطيعة ( متفق عليه ) والحديث في الأربعين للنووي بتأخير الجار والضيف ، ولعله روايات . واختار المصنف تقديم الضيفة لمناسبة الباب والله تعالى أعلم بالصواب . وفي الجامع الصغير بلفظ : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت " . رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي شريح ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنهما - وروى الترمذي والحاكم عن جابر : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر . فلا يدخل الحمام بغير إزار ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " . وروى الترمذي عن رويفع : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره " . وروى الطبراني عن سليمان بن صرد : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروعن مسلما " . وروى الطبراني عن أبي أمامة : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما " . وروى أحمد والحاكم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية