صفحة جزء
4273 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : حلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن ، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس ، فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح ، فشرب وعلى يساره أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فقال عمر : أعط أبا بكر يا رسول الله ! ; فأعطى الأعرابي الذي عن يمينه ، ثم قال : " الأيمن فالأيمن " ، وفي رواية : " الأيمنون الأيمنون ، ألا فيمنوا " متفق عليه .


[ ص: 2750 ] 4273 - ( وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : حلبت ) : بصيغة المفعول ، ( لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن ) : وهو الشاة التي ألفت البيوت واستأنست ولم تخرج إلى المرعى من دجن بالمكان إذا أقام به ، ولما كان من الأوصاف المختصة بالإناث ما احتيج إلى إلحاق التاء في آخره ، مع أنه صفة للشاة ، ونظيره : طالق وحائض . ( وشيب ) : بكسر أوله أي خلط ( لبنها بماء من البئر التي في دار أنس فأعطي ) : بصيغة المفعول ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح ) : منصوب على أنه مفعول ( فشرب ) : أي منه ( وعلى يساره أبو بكر - رضي الله عنه - وعن يمينه أعرابي ) : الظاهر أن الجمع بين " عن " و " على " تفنن في العبارة ، وقد حققه الطيبي وقال : فإن قلت : لم استعمل " على " هنا و " عن " أولا ؟ قلت : الوجه فيه أن يجرد عن وعلى عن معنى التجاوز والاستعلاء ، ويراد بهما الحصول من اليمين والشمال ، ولو قصدت معناها ركبت شطاطا الكشاف في قوله تعالى : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به ، فكما اختلفت حروف التعدية في ذلك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا : معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين على المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه أي جلس متجافيا عن صاحب اليمين ، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما ذكرناه في قوله تعالى .

( فقال عمر : أعط أبا بكر ) : لعل عمر - رضي الله عنه - كان قبالته فأراد أن يناوله فقال : أعط أبا بكر - رضي الله عنه - ( يا رسول الله فأعطى الأعرابي الذي على يمينه ) : وفي نسخة : عن يمينه ( ثم قال : الأيمن فالأيمن ) : بالرفع فيهما أي يقدم الأيمن فالأيمن ، وفي نسخة بنصبهما أي أناول الأيمن فالأيمن ، ويؤيد الرفع قوله : ( وفي رواية : " الأيمنون فالأيمنون ، ألا ) : للتنبيه ( فيمنوا ) : بتشديد الميم المكسورة أي إذا كان الأمر كذلك فيمنوا أنتم أيضا وراعوا اليمين وابتدئوا بالأيمن فالأيمن . قال النووي : وضبط الأيمن بالنصب والرفع ، وهما صحيحان ، النصب على تقدير أعطي الأيمن ، والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك ، والرواية الأخرى : الأيمنون ترجح الرفع وفيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام ، وأن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم ، وإن كان صغيرا ومفضولا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم الأعرابي ، والغلام أي على ما سيأتي ، وأما تقديم الأفاضل والأكابر فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ، ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن والنسيب في الإمامة للصلاة ، وقيل : إنما استأذن الغلام دون الأعرابي أدلاء على الغلام ، وهو ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وتطييبا لنفسه بالاستئذان نفسه ، لا سيما والأشياخ أقاربه ، ومنهم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وفي بعض الروايات : عمك وابن عمك ، وفعل ذلك استئناسا لقلوب الأشياخ وإعلاما بودهم وإيثار كرامتهم وإنما لم يستأذن الأعرابي مخافة إيحاشه ، وتألفا لقلبه لقرب عهده بالجاهلية ، وعدم تمكنه من معرفة خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا على أن لا يؤثر في القرب الدينية والطاعات ، وإنما الإيثار ما كان في حظوظ النفس ، فيكره أن يؤثر غيره موضعه من الصف الأول مثلا . وفيه أن من سبق إلى موضع مباح ، أو من مجلس العالم والكبير ، فهو أحق به ممن يجيء بعده ، وأما قول عمر - رضي الله تعالى عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : أعط أبا بكر إنما قاله للتذكر لأبي بكر مخافة من نسيانه ، أو إعلاما لذلك الأعرابي الذي على اليمين بجلالة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ( متفق عليه ) . وفي الجامع الصغير : " الأيمن فالأيمن " مالك وأحمد والستة عن أنس - رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية