صفحة جزء
4327 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين . فقال : " إن هذه من ثياب الكفار ، فلا تلبسهما " . وفي رواية : قلت : أغسلهما ؟ قال : " بل أحرقهما " . رواه مسلم

وسنذكر حديث عائشة : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة في " باب مناقب أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - .


4327 - ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ) : أي على بدني

( ثوبين معصفرين ) : بفتح الفاء أي مصبوغين بالعصفر ، قال ابن الملك : قيل : المنهي المصبوغ بعد النسج ، دون ما صبغ غزله ، ثم نسج ولم يكن له رائحة ، فإنه مرخص عند البعض اهـ . وسيأتي له تتمة ( فقال : إن هذه ) : إشارة إلى جنس الثياب المعصفرة ( من ثياب الكفار ) : أي الذين لا يميزون بين الحرام والحلال ، ولا يفرقون في اللباس بين النساء ، والرجال ( فلا تلبسهما ) : مال ابن الملك : إنما نهي الرجال عن ذلك لما فيه من التشبه بالنساء ( وفي رواية : قلت : أغسلهما ؟ ) : أي لتروح رائحتهما ، وتذهب بهجتهما وهمزة الاستفهام مقدرة في أوله . ( قال : بل أحرقهما ) : الأمر للتغليظ . قال ابن الملك : وإنما لم يأذن له في الغسل ; لأن المعصفر وإن كره للرجال لم يكره للنساء ، فغسله [ ص: 2771 ] تضييع اهـ . وهو محمول على قول البعض من أن العبرة بالرائحة ، والصحيح أن الكراهة للون وهو لا يذهب بالغسل وليس فيه تضييع ، هذا ، وفي فتاوى قاضيخان : يكره للرجل أن يلبس المصبوغ بالعصفر والزعفران والورس . قال القاضي : قيل أراد بالإحراق إفناء الثوبين ببيع أو هبة ، ولعله استعار به عنه للمبالغة والتشديد في النكير ، وإنما لم يأذن في الغسل ; لأن المعصفر وإن كان مكروها للرجال فهو غير مكروه للنساء ، فيكون غسله تضييعا وإتلافا للمال ، ويدل على هذا التأويل ما روي : أنه أتى أهله وهم يسجرون التنور فقذفها فيه ، ثم لما كان من الغد أتاه فقال له : يا عبد الله ما فعلت ؟ فأخبره . فقال : أفلا كسوتهما بعض أهلك ، فإنه لا بأس بهما للنساء ؟ ، قلت : وكون هذه الرواية دالة على التأويل المذكور محل بحث ، ثم قال : وإنما فعل عبد الله ما فعل لما رأى من شدة كراهة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لفهمه الظاهر ، أو لتوهمه عموم الكراهة اهـ . والحمل على الأخير أولى .

قال النووي : اختلفوا في الثياب التي صبغت بالعصفر ، فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك ، ولكنه قال : غيرها أفضل منها . وقال جماعة : هو مكروه كراهة تنزيه ، وحملوا النهي على هذا ; لأنه ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لبس حلة حمراء قلت : هو مؤول عند أبي حنيفة وأصحابه بأنها منسوخة بخطوط حمر ، كما هو شأن البرود اليمانية ، وسيأتي ما يدل على تحريم الأحمر ، قال : وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالعصفر " ، قلت : لا دلالة فيه على جواز لبس المعصفر للرجال . قال ، وقال الخطابي : النهي يصرف إلى ما صبغ بعد النسج ، فأما ما صبغ غزله ، ثم نسج ، فليس بداخل في النهي . قلت : وهذا يحتاج إلى دليل خارجي ، قال : وحمل بعضهم النهي هنا على المحرم بالحج أو المعتمر ; ليكون موافقا لحديث ابن عمر : " نهي المحرم أن يلبس ثوبا مسه زعفران أو ورس " . قلت : وفيه أنه يرتفع حرمته بالغسل إلى أن تنفض رائحته ، ومع إبقائها يشترك فيه الرجال والنساء . قال : وأما البيهقي فأتقن المسألة في كتابه معرفة السنن : نهى الشافعي الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر ، فقال : أي الشافعي : وإنما رخصت في المعصفر ; لأني لم أجد أحدا يحكي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما قال علي - رضي الله عنه : نهاني ، ولا أقول : نهاكم .

قال البيهقي : وقد جاءت أحاديث تدل على النهي على العموم ، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو هذا ، ثم ذكر أحاديث أخر ، ثم قال : لو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لنهاه ، ثم ذكر بإسناد ما صح عن الشافعي أنه قال : إذا صح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي فاعملوا بالحديث ودعوا قولي فهو مذهبي . قلت : وينبغي أن يكون هذا مذهب كل مسلم . قال : وأما الأمر بإحراقهما فقيل : هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل ، ونظيره أمره للمرأة التي لعنت الناقة فأرسلها أي وأخرجها من القافلة ( رواه مسلم ) . وأما ما في الجامع الصغير لرواية الخطيب ، عن أنس : كان له - صلى الله عليه وسلم - ملحفة مصوغة بالورس والزعفران يدور بها على نسائه ، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء ، وإذا كانت ليلة هذه رشتها ، فقد صح فهو محمول على أن المرأة تلتحف بها ، أو كانت تفترش له أو لهما ، أو تستثنى تلك الهيئة والحالة ، أو تعد من الخصوصيات ، والله أعلم .

( وسنذكر حديث عائشة : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة ) : أي وعليه مرط مرجل . . إلخ ، وسيأتي ضبطهما ومعناهما أيضا . ( في باب مناقب أهل ببت النبي - صلى الله عليه وسلم - ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية