صفحة جزء
4337 - وعن سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " البسوا الثياب البيض ; فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم " رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .


[ ص: 2776 ] 4337 - ( وعن سمرة ) : أي ابن جندب ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " البسوا الثياب البيض ) : جمع الأبيض وأصله فعل بضم أوله كحمر وصفر وسود ، فكان القياس بوض لكن كسر أوله إبقاء على أصل الياء فيه ، ( فإنها أطهر ) : أي لا دنس ولا وسخ فيها ، قال الطيبي : لأن البيض أكثر تأثرا من الثياب الملونة ، فتكون أكثر غسلا منها فتكون أطهر اهـ .

والأظهر أنها أطهر لكونها حاكية عن ظهور النجاسة فيها بخلاف غيرها ، ويحتمل أن يكون في الصبغ نجاسة ، والأبيض بريء منها ( وأطيب ) : أي أحسن طبعا أو شرعا ، ويمكن أن يكون تأكيدا لما قبله ، لكن التأسيس أولى من التأكيد في القول السديد ، وقيل : أطيب لدلالته غالبا على التواضع ، وعدم الكبر والخيلاء والعجب وسائر الأخلاق الطيبة ، ( وكفنوا ) : عطف على البسوا أي البسوها في حياتكم وكفنوا ( فيها موتاكم ) : وأما ما جاء نص في استحباب تغييره كخضاب المرأة يدها بالحناء ، وما كان هناك غرض مباح أو ضرورة ، كما اختار بعض الصوفية الثوب الأزرق لقلة مؤنة غسله ورعاية حاله ، فخارج عما نحن فيه وقيل : إنها أطهر لأنها تغسل من غير مخافة على ذهاب لونها ، وأطيب أي ألذ ; لأن لذة المؤمن في طهارة ثوبه ، وأما ما تعقبه ابن حجر بقوله : وفيه من الركاكة ما لا يخفى ، فلا يخفى ما فيه من الخفاء مع ظهور الخفاء ، إذ يمكن أن يكون معنى أطيب بمعنى أحل ، ففي النهاية : أكثر ما يرد الطيب بمعنى الحلال ، كما أن الخبيث بمعنى الحرام ، ويؤيده ما قال تعالى : قل لا يستوي الخبيث والطيب ، وقد أخرج ابن ماجه من حديث أبي الدرداء مرفوعا " إن أحسن ما زرتم الله في قبوركم ومساجدكم البياض " قال ميرك : وفي إسناده مروان بن سالم الغفاري متروك الحديث ، وباقي رجاله ثقات اهـ . قيل : معنى أطيب أحسن لبقائه على اللون الذي خلقه الله عليه ، كما أشار سبحانه وتعالى بقوله : فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، وهذا المعنى المناسب جدا لاقترانه بقوله : " وكفنوا فيها موتاكم " ففيه إيماء إلى أنهم ينبغي أن يرجعوا إلى الله جميعا - حيا وميتا - بالفطرة الأصلية المشبهة بالبياض ، وهو التوحيد الجبلي بحيث لو خلى وطبعه لاختاره من غير نظر إلى دليل عقلي أو نقلي ، وإنما يغيره العوارض المصنوعة المشبهة بالمصبوغة المشار إليها بقوله : " فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " بالتقليد المحض الغالب على عامة الأمة حيث قالوا : وجدنا آباءنا على أمة وقد قال تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، وفي البياض إشعار إلى طهارة الباطن أيضا من الغل والغش والعداوة وسائر الأخلاق الذميمة الدنية المشبهة بالنجاسات الحكمية ، بل الحقيقية ; ولذا قال تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحاصل أن الظاهر عنوان الباطن ، وأن نظافة الظاهر من البدن وما يلاقيه من الثياب ، لطهارته وتزيينه له تأثير بليغ في أمر الباطن ; ولذا قال تعالى : وربك فكبر وثيابك فطهر في الجمع بين الأمرين ، وفي الحديث الشريف إشارة خفية إلى أن أطيبية لبس البياض في الدنيا إنما تكون لتذكير لبس أهل العقبى ، إيماء إلى أن مآله إلى البلى ، فلا ينبغي للعاقل أن يتحمل في تحصيله البلاء ، ثم اعلم أن البياض في الكفن أفضل ; لأن الميت بصدد مواجهة الملائكة ، كما أن لبسه أفضل لمن يحضر المحافل ، كدخول المسجد للجماعة وملاقاة العلماء والكبراء ، وأما في العيد فقال بعضهم : الأفضل فيه ما يكون أرفع قيمة نظرا إلى إظهار مزيد النعمة وآثار الزينة ومزية المنة ، ويؤيده ما في الجامع الصغير من رواية البيهقي ، عن جابر : إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة ، والمراد بالأحمر كون خطوطه حمرا ، فإن البرد لا يكون إلا بخطوط حمر وصفر أو نحوها ، على ما هو معلوم لغة وعرفا والله أعلم ، ( رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ) : وفي الشمائل الترمذي عن ابن عباس مرفوعا " عليكم بالبياض من الثياب ليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم ; فإنها من خيار ثيابكم " . وفي الجامع الصغير : أسند هذا اللفظ إلى سمرة أيضا وقال : رواه أحمد ، والنسائي والحاكم عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية