صفحة جزء
4386 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي ، فقيل : إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم ، فصاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما حلقة فضة نقش فيه : محمد رسول الله . رواه مسلم . وفي رواية للبخاري : كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر : ( محمد ) سطر ، و ( رسول ) سطر ، و ( الله ) سطر .


4386 - ( وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد ) : أي حين رجع من الحديبية ( أن يكتب ) : أي يأمر كتابه بكتابة المكاتيب فيها الدعوة إلى الله تعالى ويرسلها ( إلى كسرى ) : بكسر الكاف ويفتح ففي المغرب : بالكسر والفتح أفصح ، لكن في القاموس كسرى ويفتح ملك الفرس معرب " خسرو " أي واسع الملك ( وقيصر ) : ملك الروم ، ولما جاء كتابه إلى كسرى فمزقه ، فدعا عليه - صلى الله عليه وسلم - بتمزيق ملكه . فمزق ، وإلى هرقل ملك الروم حفظه ، حفظ ملكه ( والنجاشي ) : بفتح النون ويكسر وتخفيف الجيم وسكون الياء ويشدد ، وهو لقب ملك الحبشة . وكتب - صلى الله عليه وسلم - إليه واسمه " أصخمة " يطلب إسلامه فأجابه ، وقد أسلم سنة ست ، ومات سنة تسع ، وصلى على جنازته حين كشفت له - صلى الله عليه وسلم - وأما النجاشي الذي بعده وكتب له - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام فلم يعرف له اسم ولا إسلام ، والكتابة هذه لهذا وأنه غير أصخمة على ما صح في مسلم عن قتادة ، وكتب لأصخمة كتابا ثانيا ليزوجه أم حبيبة - رضي الله عنها - وقد صورنا صور بعض المكاتيب فيما سبق من الكتاب ، ( فقيل ) : أي له كما في رواية قيل : قائله من العجم ، وقيل : من قريش ، ويؤيده ما في مرسل طاوس عند ابن سعد أن قريشا هم الذين قالوا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لا منع من الجمع ( إنهم لا يقبلون ) : أي بطريق الاعتماد ، أو على سبيل الاعتبار ( كتابا إلا بخاتم ) : أي موضوعا عليه بخاتم ، وفي رواية إلا عليه خاتم أي وضع عليه خاتم ، وقيل فيه حذف مضاف أي عليه نقش خاتم ، قيل : وسبب عدم اعتمادهم له عدم الثقة بما فيه ، أو أنه ترك منع شعار تعظيمهم ، وهو الختم أو الإشعار بأن ما يعرض عليهم ينبغي أن لا يطلع عليه غيرهم ، ذكره ابن حجر ، ولا يخفى أن الختم الذي هو شعارهم ، ويكون سببا لعدم اطلاع غيرهم ، هو ختم الورق وهو لا يلائم اصطناع الخاتم ، اللهم إلا أن يقال المراد الجمع بينهما ( فصاغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما ) : أي أمر بصياغته . وفي رواية : " فاصطنع خاتما " أي أمر أن يصنع له ( حلقة فضة ) : بالإضافة مع فتح اللام ويسكن بدل من خاتما أو بيان له . وفي رواية للترمذي : حلقته فضة . فالجملة وصف للخاتم ، وفيه إشعار بأن فصه لم يكن فضة ( نقش فيه ) : بصيغة المفعول وقيل بالفاعل ( محمد رسول الله ) : سبق إعرابه ( رواه مسلم ) . قال البغوي في شرح السنة : وكان هذا الخاتم في يده - صلى الله عليه وسلم - ثم كان بعده في يد أبي بكر ، ثم كان بعده في يد عمر ، ثم بعده في يد عثمان ، حتى وقع في بئر أريس من معيقيب ، وبئر أريس هو بفتح الهمزة وفتح الراء بئر معروفة قريبا من مسجد قباء عند المدينة اهـ . وسيأتي مزيد تحقيق لهذا .

( وفي رواية للبخاري ) : وكذا الترمذي عن أنس ( كان نقش الخاتم ) : أي خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ثلاثة أسطر : محمد سطر ) : مبتدأ ، وخبر ( ورسول ) : بالرفع بلا تنوين على الحكاية ، فإنه في الأصل مضاف ، وجوز التنوين على الإعراب لأنه مبتدأ خبره ( سطر ) ، ( والله ) : بالرفع أو الجر على الحكاية وهو أولى وخبره قوله : ( سطر ) . قالميرك : وظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك ، لكن أخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية عرعرة ، عن عروة بن ثابت ، عن أنس قال : كان فص خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبشيا مكتوبا عليه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وعرعرة ضعفه ابن المديني فزيادة هذه شاذة وكذا ما رواه ابن سعد من مرسل ابن سيرين بزيادة : بسم الله محمد رسول الله شاذة أيضا ، ولم يتابع عليه . قال : وقد ورد من مرسل طاوس والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسالم بن أبي الجعد وغيرهم ، ليس فيه زيادة على " محمد رسول الله " أقول : على تقدير توثيقه لا شك أن زيادة الثقة مقبولة ، فيحمل هذا الحديث على الاقتصار ، وبيان ما به الامتياز زمن تخصيص اسمه ، أو على تعدد الخواتيم كما سبق بيانه ، وبه يحصل الجمع بين الروايات من غير طعن على أحد من الرواة ، ثم قال ميرك : وظاهره أيضا أنه كان على هذا التركيب ، لكن كتابته على السياق العادي ، فإن ضرورة الختم به تقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا ، وأما قول بعض الشيوخ : إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ، ومحمد في أسفلها ، فلم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث ، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك ، فإنه قال فيها : محمد " سطر " والسطر الثاني " رسول " والسطر الثالث " الله " اهـ . وقال بعضهم : يكره لغيره - صلى الله عليه وسلم - نقش اسم الله ، قال ابن حجر : وهو ضعيف . أقول : لكن له وجه وجيه لا يخفى ، وهو تعظيم اسم الله تعالى من أن يمتهن ، ولو كان أحيانا كما قالوا بكراهة كتابة اسم الله على جدران المسجد وغيره ، ونقشه على حجارة القبور وغيرها . نعم إذا كان اسم الله من جملة العلم مثل عبد الله ، فلا شك أنه لا يكره للضرورة .

[ ص: 2799 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية