صفحة جزء
4451 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي .


4451 - ( وعن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما غير ) : بصيغة المجهول ، والباء في قوله ( به ) : للسببية ، وقوله : ( الشيب ) : نائب الفاعل ، ولفظ الجامع الصغير : إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب ( الحناء ) : بالرفع على الروايتين وهو خبر إن ( والكتم ) : بفتحتين وتخفيف التاء ، ففي النهاية قال أبو عبيد : الكتم بتشديد التاء ، والمشهور التخفيف ، وهو نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود ، وقيل : هو الوسمة ، ومنه حديث : أن أبا بكر كان يصبغ بالحناء والكتم ، ويشبه أن يراد استعمال الكتم مفردا عن الحناء ، فإن الحناء إذا خضب به ، مع الكتم جاء أسود ، وقد صح النهي عن السواد ، ولعل الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير ، ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم اهـ . فيكون التقدير : بالحناء تارة فيكون لونه أحمر ، وبالكتم أخرى فيكون لونه أخضر . والواو قد تأتي بمعنى " أو " وذلك على ثلاثة أوجه ; أحدها : أن تكون بمعناها في التقسيم كقولهم : الكلمة اسم وفعل وحرف ، وثانيها : أن تكون بمعناها في الإباحة ، كقولك : جالس الحسن وابن سيرين ، وثالثها : أن تكون بمعناها في التخيير :


وقالوا نأت فاختر لها الصبر والبكا فقلت البكا أشفى إذا لغليلي

فإن معناه : أو البكاء إذ لا يجتمع مع الصبر ، ومنه قول الشاطبي رحمه الله : وصل واسكتن إذ لا جمع بين الوصل والسكت ، فإنه وقف بلا تنفس ، وبه حصل الفصل . ثم الظاهر أن المراد تفضلهما في تغيير الشيب بهما على غيرها لا لبيان كيفية التغيير . وقال العسقلاني : الكتم الصرف يوجب سوادا مائلا إلى الحمرة ، والحناء توجب الحمرة فاستعمالهما يوجب ما بين السواد والحمرة اهـ .

ويؤيده ما في الصحاح : الكتم نبت يخلط مع الوسمة للخضاب ، والمكتومة دهن للعرب أحمر ، ويجعل منه الزعفران أو الكتم ، ويقويه ما في المغرب عن الأزهري : أن الكتم نبت فيه حمرة ، ومنه حديث أبي بكر كان يخضب بالحناء والكتم . وقال الجزري : قد جرب الحناء والكتم جميعا فلم يسود ، بل يغير صفرة الحناء وحمرته إلى الخضرة ونحوها فقط من غير أن يبلغ إلى السواد ، كذا رأيناه وشاهدناه . قلت : الظاهر أن الخلط يختلف ، فإن غلب

[ ص: 2828 ] الكتم اسود ، وكذا إن استويا ، إن غلب الحناء احمر ، هذا وفي الشمائل عن قتادة قال : قلت لأنس بن مالك : هل خضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يبلغ ذلك ، وفي رواية مسلم : لم يبلغ الخضاب إنما كان شيئا ، وفي رواية شيبا ، ووقع في رواية البخاري بلفظ : إنما كان شيء في صدغيه ، أي فيما بين عينه وأذنه ، ولكن أبو بكر - رضي الله عنه - خضب بالحناء والكتم . قال ميرك : الحديث هكذا في رواية قتادة ، ووافقه ابن سيرين عند مسلم من طريق عاصم الأحول عنه يذكر أبي بكر فقط ، ولفظه : قلت له : أكان أبو بكر يخضب ؟ فقال : نعم بالحناء والكتم ، وأخرج أحمد بلفظ ، من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، وكان أبو بكر وعمر خضبا بالحناء والكتم ، وأظن أن ذكر عمر فيه وهم ، لما في مسلم من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس بلفظ : وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم ، واختضب عمر بالحناء بحتا ، أي صرفا . قلت : الحمل على أنه فعل هذا مرة ، ووافق أبا بكر أخرى أفضل من الحمل على الوهم ، وبهذا قال العسقلاني : وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما ، لكن الدوام غير مفهوم من الكلام . ( رواه الترمذي ، وأبو داود والنسائي ) ، وكذا الإمام أحمد ، وابن ماجه ، وابن حبان وصححه الترمذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية