صفحة جزء
436 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قالت ميمونة : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فسترته بثوب وصب على يديه فغسلهما ، ثم صب بيمينه على شماله ، فغسل فرجه ، فضرب بيده الأرض فمسحها ، ثم غسلها ، فمضمض واستنشق ، وغسل وجهه وذراعيه ، ثم صب على رأسه ، وأفاض على جسده ، ثم تنحى فغسل قدميه فناولته ثوبا فلم يأخذه ، فانطلق وهو ينفض يديه . متفق عليه . ولفظه للبخاري .


436 - ( وعن ابن عباس ) رضي الله عنهما ( قال : قالت ميمونة ) خالة ابن عباس من أمهات المؤمنين ( وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا ) بضم المعجمة وسكون المهملة وتضم ، وقيل : بكسر الغين وسكون السين . قال بعضهم : الغسل بالضم كالغسول والمغتسل ، وهو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل به ، والغسل أيضا اسم من غسلت الشيء غسلا بالفتح ، ويجوز في الغسل الذي هو اسم تسكين السين وضمه ، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من الخطمي وغيره ، فاستعير للماء اهـ .

ورواية الكسر كما زعمه الخلخالي خطأ عند أهل الحديث كما صرح به في تهذيب الأسماء ، ( فسترته بثوب ) : أي : ضربت له سترا يغتسل وراءه لئلا يراه أحد . قال ميرك : الضمير راجع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ووقع في رواية البخاري عن ميمونة : سترت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يغتسل ، فذكرت الحديث . فما قيل من أن الضمير راجع إلى الماء ليس بسديد ، ( وصب ) وفي نسخة : فصب ( على يديه ، فغسلهما ) : أي : إلى رسغيه ، وفي نسخة زيادة جملة : ( ثم صب على يديه فغسلهما ) : قال ميرك : ليست هذه الجملة في البخاري . ( ثم صب بيمينه على شماله ، فغسل فرجه ) : أي : بيساره ( فضرب بيده ) : أي : اليسرى ( الأرض ، ثم مسحها فغسلها ) لإزالة الرائحة الكريهة ، ( فمضمض ) وفي نسخة : فتمضمض ( واستنشق ) : وهما واجبان في الغسل عندنا ، سنتان في الوضوء . ( وغسل وجهه وذراعيه ، ثم صب على رأسه ) : اكتفاء بالغسل المفروض عن المسح المسنون ( وأفاض على جسده ) : أي : يمينا ويسارا ( ثم تنحى ) : أي : تبعد عن المستنقع ( فغسل قدميه ) : أي : إذا كان لم يغسلهما حين توضأ ; لأنه لم يكن على لوح أو حجر أو مكان مرتفع ، ( فناولته ) أي : أعطيته ( ثوبا ) : أي : أردت إعطاءه ; لينشف أعضاءه ، ( فلم يأخذه ) : أي : الثوب ; إما لأنه فضل ، أو لكونه مستعجلا ، أو لأن الوقت كان حرا والبلل مطلوب ، أو لشبهة في الثوب ، ومع هذه الاحتمالات في الحديث لا يصح أن يكون دليلا على سنية ترك التنشيف أو كراهة فعله ، والله أعلم . ( فانطلق ) : أي : ذهب ومشى ( وهو ينفض يديه ) : أي : يحركهما كما هو عادة من له رجولية ، وقيل : ينفضهما لإزالة الماء المستعمل ، وهو منهي عنه في الوضوء والغسل ; لما فيه من إماطة أثر العبادة ، مع أن الماء ما دام على العضو لا يسمى مستعملا ، فالأول أولى ; كذا قاله بعض علمائنا . وقال القاضي : من فوائد حديث ابن عباس أن الأولى تقديم الاستنجاء ، وإن جاز تأخيره ; لأنهما طهارتان تختلفان ، فلا يجب الترتيب بينهما ، واستعمال اليسرى ودلكها على الأرض مبالغة في إنقائها وإزالة ما عبق بها ، والوضوء قبل الغسل اختلف فيه ، فأوجبه داود مطلقا وقوم إذا كان محدثا ، أو كان الفعل مما يوجب الجنابة والحدث ، ومنصوص الشافعي أن الوضوء يدخل في الغسل فيجزئه لهما ، وهو قول مالك .

قلت : وقول أبي حنيفة كذلك ، وفيه دليل الجمهور أن مقتضى الطهرين واحد ، فكفى لهما غسل واحد ، كما في الحيض والجنابة ، وتأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل هو مذهب أبي حنيفة ، وقول للشافعي والمذهب - أي : مذهبه - : أن لا يؤخر لرواية عائشة يعني : لظاهرها ، وإلا فليس فيها تصريح بغسل الرجلين أولا . ومذهب أبي حنيفة ليس على إطلاقه بل على التفصيل الذي ذكرناه ، والتنحي أي التباعد عن مكانه لغسل الرجلين وترك التنشيف ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأخذه ، وفيه ما تقدم وجواز النفض ، والأولى تركه ; لقوله عليه الصلاة والسلام : ( " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم " ) . ومنهم من حمل النفض على تحريك اليدين في المشي ، وهو تأويل بعيد اهـ .

قلت : وإن كان التأويل بعيدا ، فالحمل عليه جمعا بين الحديثين أولى من الحمل على ترك الأولى ( متفق عليه ، ولفظه للبخاري ) .

[ ص: 426 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية