صفحة جزء
4497 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أشد الناس عذابا عند الله المصورون " . متفق عليه .


4497 - ( وعن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أشد الناس عذابا عند الله المصورون ) : قيل : الأولى أن يحمل على التهديد; لأن قوله : عند الله يلوح إلى أنه يستحق أن يكون كذا لكنه محل العفو ، وقال النووي : هذا محمول على من صور الأصنام لتعبد فله أشد العذاب لأنه كافر ، وقيل : هذا فيمن قصد المضاهاة بخلق الله تعالى ، واعتقد ذلك ، وهو كافر ، وعذابه أشد ، وأما من لم يقصدها فهو فاسق لا يكفر كسائر المعاصي ، ثم الشجر ونحوه مما لا روح له ، فلا تحرم صنعته ، ولا التكسب له . هذا مذهب العلماء إلا مجاهدا ، فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه ، واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم : ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ) فذكر الذرة وهي ذات روح ، وذكر الحنطة والشعير ، وهما جمادان ، ووعد عليه وعدا شديدا ، حيث أخرج الجملة على سبيل استفهام الإنكار ، وذكر الظلم على صيغة التفضيل .

قلت : استدلاله ظاهر جلي . قال : واحتج الجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم : أحيوا ما خلقتم " . قلت : وله قوله - صلى الله عليه وسلم : ليخلقوا حبة " قال : وبالمضاهاة بخلق الله . قلت : العلة مشتركة . قال : ويؤيده حديث ابن عباس : إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نص له . قلت : هذا مع كونه مذهب صحابي ، إذ يحتمل أن يكون من رأيه يحمل على جواز فعله للضرورة ، وعلى ارتكاب كراهة دون كراهة ، فإن الضرورات تبيح المحظورات ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالنيات . ونظيره ما ورد في حديث مرفوع : " إن كنت لابد سائلا فسل الصالحين " على ما رواه أبو داود والنسائي عن الفراسي . قال الخطابي : المصور هو الذي يصور أشكال الحيوان فيحكيها بتخطيط لها وتشكيل ، فأما الذي ينقش أشكال الشجرة ، ويعمل التداوير والخواتيم ونحوها ، فإني أرجو أن لا يدخل في هذا الوعيد ، وإن كان جملة هذا الباب مكروها وداخلا فيما يلهي ويشغل بما لا يغني ، وإنما عطفت العقوبة في الصورة; لأنها تعبد من دون الله .

قلت : ولعل وجه قول الجمهور في التخصيص بذوات الروح أنه لا يجوز أن ينسب خلقها إلى فعل المخلوق ، حقيقة ولا مجازا ، فخلاف سائر النباتات والجمادات ، حيث ربما ينسب فعلها إلى الناس مجازا ، ويقال : أنبت فلان هذا الشجر مثلا ، وصنع فلان هذه السفينة مثلا ، وأما ما عبد من دون الله ولو كان من الجمادات كالشمس والقمر ، فينبغي أن يحرم تصويره ، والله أعلم . ( متفق عليه ) .

قال الأشرف : الرواية المشهورة في هذا الحديث : إن من أشد الناس عذابا المصورون بالرفع ، هكذا ذكره ابن الملك في شرحه ، واعتذر عن الرفع فقال الكسائي : " من " زائدة . وقال بعضهم : هنا ضمير الشأن مقدر أي أنه من أشد الناس عذابا المصورون . قال الطيبي : ذكر النووي في شرح مسلم روايات كثيرة ، وليس فيها لفظة " إن " . نعم في رواية البخاري : أشد الناس عذابا بغير " من " .

قلت : وفي الجامع الصغير : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون . رواه أحمد ومسلم ، عن ابن مسعود بلفظ : إن من غير " من " فلعل الأشرف أراد الشهرة عند علماء العربية ، ولعلهم وجدوا في نسخة كذا . وقال بعض المحدثين في تأويل الحديث معناه : إن من أشد الناس مع قطع النظر عن مراعاة التركيب اللفظي ، فبنوا عليه ونقلوه عنه ، وأدرجوه من لفظ الحديث ، والحاصل أنه لا عبرة بالشهرة وعدمها عند غير أهله . أما ترى كيف وقع التنازع بين السيد السند والسعد الأسعد في معنى حب الهرة من الإيمان ؟ وهو حديث موضوع باتفاق الحفاظ من أهل الاتفاق ، ولهذا صنف شيخ مشايخنا السخاوي كتابه " المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة " ، ولخصه تلميذه ابن الربيع ، وجمعت الموضوعات منها في رسالة مختصرة ينبغي الاهتمام بتحصيلها .

[ ص: 2853 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية