صفحة جزء
4499 - وعنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من تحلم بحلم لم يره " . كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه ، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة . ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها ، وليس بنافخ " . رواه البخاري .


4499 - ( وعنه ) : أي عن ابن عباس ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من تحلم بحلم ) : الحلم بضم المهملة وسكون اللام ويضم ما يراه النائم ، وقد ضبطه المظهر بضمتين والنووي بضم فسكون ، وقال القاضي : الحلم بضمتين الرؤيا وحلم يحلم بالضم حلما رأى الرؤيا ، وتحلم إذا ادعى أنه رأى . وفي القاموس : الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام ، حلم في نومه واحتلم وتحلم وانحلم ، وتحلم الحلم استعمله . وقال ابن حجر : تحلم أي تكلف الحلم ، وحاصل المجموع أن معناه من ادعى الرؤيا بحلم ( لم يره ) : أي في منامه ( كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ) : أي لن يستطع ذلك ، وهذا التكليف مع عدم قدرته عليه مبالغة في تعذيبه فيعذب به أبدا قال القاضي : أي عذب حتى يفعل ذلك ، فيجمع بين ما لم يمكن أن يعقد ، كما عقد بين ما سرده ، واختلق من الرؤيا ، ولم يكن يقدر أن يعقد بينهما ، وقيل : ليس معناه أن ذلك عذابه وجزاؤه ، بل إنه يجعل ذلك شعاره ليعلم به أنه كان يزور الاحتلام . ولفظة كلف تشعر بالمعنى الأول . وفي النهاية : إن قيل : إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته ، فلم زادت عقوبته ووعيده ؟ قيل : قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة ، والنبوة لا تكون إلا وحيا ، والكاذب في رؤيا يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره ، وأعطاه جزءا من النبوة لم يعطه إياه ، والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه .

قال الطيبي : فيه أن هذه الرؤيا مخصوصة بما يتعلق بالإخبار عن الغيوب ، وأمور الدين . قلت : لم يخرج شيء من الرؤيا عن أمور الغيب ، فليس فيه ما يتوهم من الغيب . قال المظهر : إن هذا التغليظ في شأن من يقول : إن الله تعالى جعلني نبيا وأخبرني بأن فلانا مغفور أو ملعون ، أو بكذا وكذا ، أو أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بكذا وكذا ، ولم يكن قد رأى ذلك ، وأما من يقول : أمرني الله بالطاعة واجتناب المعصية ، أو بوعظ الناس والبر إليهم ، وإن كان كاذبا في رؤياه إلا أن عذابه لم يكن مثل عذاب الآخر . قلت : لأن الآخر جمع بين كذبين ، مع أن الكذب يتفاوت في اليقظة أيضا ، فالأحسن حمل الحديث على عمومه ، كما هو ظاهر اللفظ : والعذاب على وفق الكذب ، وتفاوت مراتبه . نعم تخصيص الرؤيا إما لأنه مركب من الكذب ، أو لأنه من أشد أنواع الكذب لكونه افتراء على الله ، وادعاء للغيب والله أعلم . ويؤيده ما روى أحمد عن ابن عمر مرفوعا : " إن من أعظم الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تره " .

( ومن استمع إلى حديث قوم وهم له ) : أي لاستماعه . ( كارهون ، أو يفرون منه ) : " أو " للشك ، والمعنى وهم يتبعدون منه ومن استماعه كلامهم ( صب ) : بضم صاد وتشديد موحدة أي سكب ( في أذنيه الآنك ) : بالمد

[ ص: 2854 ] وضم النون ومعناه الأسرب بالفارسية . وفي النهاية : هو الرصاص الأبيض ، وقيل الأسود ، وقيل الخالص ( يوم القيامة ) : الجملة دعاء كذا قيل ، والأظهر أنه إخبار كما يدل عليه السابق واللاحق ، وهذا الوعيد وإنما هو حق من يستمع لأجل النميمة ، وما يترتب عليه من الفتنة بخلاف من استمع حديث قوم ، ليمنعهم عن الفساد ، أو ليمتنع من شرورهم . ( ومن صور صورة ) : أي ذات روح أو مطلقا ( عذب وكلف ) : أي في ذات الروح تغليظا ( أن ينفخ ) : أي الروح كما في رواية ( فيها ) : أي في تلك الصورة ( وليس بنافخ ) : ونظيره من تحلم والله أعلم . ( رواه البخاري ) : وروى الجملة الأولى من الحديث : الترمذي ، وابن ماجه عنه بلفظ : " من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما " . وروى الطبراني الجملتين عنه بلفظ : " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك ، ومن أرى عينيه في المنام ما لم تر كلف أن يعقد شعيرة - يعني بأخرى أو بنفسها - " وروى الجملة الأخيرة : من الحديث أحمد والشيخان والنسائي عنه بلفظ : " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ " .

التالي السابق


الخدمات العلمية