صفحة جزء
4515 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله . رواه مسلم .


4515 - ( وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء ) : بالرفع منونا ( الداء ) : بالنصب . وفي نسخة بالإضافة ، وفي رواية : فإذا أصاب دواء داء بالتنوين ( برأ ) : بفتحتان ، وفي نسخة بكسر الراء ويجوز ضمها ففي النهاية يقال : برأت من المرض برأ بالفتح ، وأبرأني الله تعالى من المرض إبراء وغير أهل الحجاز يقولون : برئت بالكسر برءا بالضم ، وفي القاموس : برأ المريض يبرأ ويبرؤ برأ ، بالضم ، وبروأ ، وبرؤ ، ككرم وفرح ، برأ وبرأ وبروأ : نقه ، ( بإذن الله ) : أي بتيسيره وإرادته ، وإنما قيده به لئلا يتوهم أن الدواء مستقل في الشفاء ، وفسرته رواية الحميدي : ما من داء إلا وله دواء ، فإذا كان كذلك بعث الله - عز وجل - ملكا معه شراب ومعه ستر ، فجعله بين الداء والدواء ، فكلما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء ، فإذا أراد الله برأه أمر الملك فرفع الستر ، ثم يشرب المريض فينفعه الله تعالى به . ( رواه مسلم ) . وكذا أحمد ، وروي عن علي مرفوعا : " لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار " ، قال النووي : فيه إشارة إلى استحباب الدواء ، وهو مذهب السلف وعامة الخلف ، وإلى رد من أنكر التداوي فقال : كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي ، وحجة الجمهور هذه الأحاديث ، واعتقدوا أن الله تعالى هو الفاعل ، وأن التداوي أيضا من قدر الله تعالى ، وهذا كالأمر بالدعاء وبقتال الكفار ، ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة ، مع أن الأجل لا يتأخر والمقادير لا تتغير اهـ .

وحاصله أن رعاية الأسباب بالتداوي لا تنافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع الجوع بالأكل وقمع العطش بالشرب ، ومن ثم قال المحاسبي : يتداوى المتوكل اقتداء بسيد المتوكلين ، وأجاب عن خبر : من استرقى أو اكتوى برئ من التوكل ، كما سيأتي أي : من توكل المتوكلين - السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب - فجعل بعض التوكل أفضل من بعض ، وفيه أنه ينافيه ما قيل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضيات بمسبباتها قدرا وشرعا ، فتعطيلها يقدح في التوكل ، والحاصل أن مرتبة الجمع أولى من مرتبة التوحيد الصرف ، فالأحسن في تأويل الحديث ما قاله ابن عبد البر : أنه برئ من التوكل إن استرقى بمكروه أو علم شفاءه بوجود نحو الكي ، وغفل عن أن الشفاء من عنده تعالى ، وأما من فعله على وفق الشرع ناظر الرب الدواء متوقعا من عنده الشفاء قاصدا صحة بدنه للقيام بطاعة ربه ، فتوكله باق بحاله استدلالا بفعل سيد المتوكلين إذ عمل بذلك في نفسه وغيره ، هذا وإن أردت الاستيفاء ، فعليك بكتاب الإحياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية