صفحة جزء
4594 - وعنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء ، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " . رواه البخاري .


4594 - ( وعنها ) أي : عن عائشة - رضي الله عنها - ( قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الملائكة ) أي : جماعة منهم ( تنزل في العنان ) : بفتح العين " وهو السحاب " . قال الطيبي : يحتمل أن يكون من قول الراوي تفسيرا للعنان ، فالسحاب مجاز عن السماء ، كما أن السماء مجاز عن السحاب في قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء في وجه . قلت : ارتكاب المجاز في الآية له وجه ، وأما ارتكابه في الحديث فلا يظهر له وجه ، إذ لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لضرورة ، مع أنه يؤول الكلام إلى أن الملائكة تنزل في السماء ، اللهم إلا أن يراد سماء الدنيا على أن سماع الجني من الملائكة في السحاب أقرب ، فهو بالاعتبار أنسب ، وهذا لا ينافيه قوله : وأصل ذلك أن الملائكة تسمع في السماء ما يقضي الله تعالى في كل يوم من الحوادث في الدنيا فيحدث بعضهم بعضا فيسترقه الشيطان ، فيلقيه إلى الكهان ، ويشهد له حديث أبي هريرة في أول الفصل الثالث ، وما روى أبو داود عن ابن مسعود قال : إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل ، فإذا جاء جبريل فزع عن قلوبهم فيقولون : يا جبريل ! ماذا قال ربكم ؟ فيقول : الحق اهـ .

( فتذكر ) أي : الملائكة ( الأمر قضي ) : بصيغة المجهول حال أو صفة على أن ال في الأمر للعهد الذهني أو صلة الموصول المحذوف ، أي : الأمر الذي قضى الله في كل يوم من الحوادث في الدنيا ، وقوله : ( في السماء ) ظرف لقضي لا لتذكر ، ففيه دلالة صريحة على أن المراد بالعنان السحاب ، إذ لا معنى لقوله : إن الملائكة تنزل من

[ ص: 2905 ] السماء فتذكر الأمر الذي قضي في السماء ، بل المعنى أن الملائكة ينزلوا من السماء في السحاب ، فيحكي بعضهم لبعض الأمور التي قضيت في السماء ، وسمعوا حال كونهم فيها ( فتسترق الشياطين السمع ) أي : مسموع الملائكة ( فتسمعه ) أي : الشياطين أولا ( فتوحيه ) أي : فتلقيه ( إلى الكهان ) من الإيحاء وهو " الإعلام بالخفية " ، وعن الزجاج : أن الإيماء يسمى وحيا . ( فيكذبون ) أي : الكهان ( معها ) أي : مع الكلمة الصادقة الواحدة ( مائة كذبة ، من عند أنفسهم ) . والمعنى : أن هذا سبب موافقتهم في بعض الأخبار للواقع ، لكن لما كان الغالب عليهم الكذب سد الشارع باب الاستفادة منهم ، وقال : إنهم ليسوا بشيء ولهذا ما اعتبر شهادة الكاذب مع أن الكذوب قد يصدق ، والله أعلم . ( رواه البخاري ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية