صفحة جزء
4614 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا اقترب الزمان لم يكد يكذب رؤيا المؤمن ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة ، فإنه لا يكذب . قال محمد بن سيرين : وأنا أقول : الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل .

قال : وكان يكره الغل في النوم ، ويعجبهم القيد . ويقال : القيد ثبات في الدين
. متفق عليه .


4614 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا اقترب الزمان لم يكد ) أي : لم يقرب ( يكذب ) : بصيغة التذكير ، وفي نسخة بالتأنيث ( رؤيا المؤمن ) : قال صاحب الفائق فيه ثلاثة أقاويل ، أحدها : أنه أراد آخر الزمان واقتراب الساعة ; لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ، ومنه قيل للمقتصر متقارب ، ويقولون : تقاربت إبل فلان إذا قلت ، ويعضده قوله ( في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب ) . وثانيها : أنه أراد به استواء الليل والنهار لزعم العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبارة وقت انفتاق الأنوار ، وزمان إدراك الأثمار ، وحينئذ يستوي الليل والنهار . ثالثها أنه من قوله - صلى الله عليه وسلم - يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، واليوم كالساعة . قالوا : يريد به زمن خروج المهدي ، وبسط العدل ، وذلك زمان يستقصر لاستلذاذه فيتقارب أطرافه .

[ ص: 2919 ] قلت : ويمكن أن يراد به زمن الدجال وأيام يأجوج ومأجوج ، فإنه من كثرة التعب والآلام ، وعدم الشعور بأزمنة الليالي والأيام ، تتقارب أطرافه في الأعوام ، وأيضا يحتاج المؤمن حينئذ إلى ما يستدل به على مطلوبه ، ويستأنس به في طريق محبوبه ، فيعان له بجزء من أجزاء النبوة ، وشعبة من شعب أرباب الولاية ، هذا وقال الطيبي : اختلف في خبر كاد المنفي ، والأظهر أنه يكون أيضا منفيا ; لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله ، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ، ويدل عليه قوله تعالى : إذا أخرج يده لم يكد يراها ، قلت : ولفظ الحديث على ما رواه الشيخان ، وابن ماجه عن أبي هريرة : إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا الرجل المسلم تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، كذا في الجامع . ( ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة ) أي : من أجزائها ( فإنه لا يكذب ) : بفتح الياء وكسر الذال ، أي : لا يكون كاذبا ، بل يقع صادقا . وفي نسخة بصيغة المجهول من الإكذاب ، أي : لا ينسب إلى الكذب . ( قال محمد بن سيرين ) : وهو من أجلاء التابعين ( وأنا أقول : الرؤيا ثلاث ) : كذا في البخاري وشرحه للخطابي ، وفي رواية مسلم ، وفي جامع الأصول ، ونسخ المصابيح : ثلاثة . ذكره الطيبي . ولعل منشأ الخلاف كون المصدر يذكر ويؤنث . ( حديث النفس ) ، كنسبة العاشق والمعشوق ، ومنه قيل : ما ترى الهرة في نومها إلا الفأرة . ومن هذا القبيل : كما تعيشون تموتون وكما تموتون تحشرون ، وكل إناء يترشح بما فيه . ( وتخويف الشيطان ) ، أي : بأن يكدر عليه وقته الصافي فيريه في النوم أنه قطع رأسه مثلا ( وبشرى من الله ) ، أي : إشارة إلى بشارة من الله تعالى للرائي ، أو المرئي له . في شرح السنة : فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا ، ويجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله تعالى يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها ، وهي على أنواع ؛ قد تكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان ويريه ما يحزنه ، وله مكايد يحزن بها بني آدم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله : إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل ، فلا يكون له تأويل . قلت : إذا كان رؤيته على وجه شرعي قد يؤول له بالزواج على المرئية أو غيرها . قال : وقد يكون ذلك من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر والعاشق يرى معشوقه ( فمن رأى شيئا يكرهه ) : الظاهر أن هذا من بقية كلام ابن سيرين ، والفاء فيه للتفريع والتفصيل ، وفي مختصر الطيبي قوله : فمن تفصيل لما تقدم من أول الحديث ، وتقسيم ابن سيرين واقع بينهما اهـ . وهو غير واقع في كلام الطيبي ، بل غير واقع في محله ولا ثمة دلالة على مقوله ، ثم رأيت ما يدل على أن قوله : الرؤيا ثلاث مرفوع ، فالتقدير أنا أقول أي : رواية الرؤيا ثلاث ، ففي الجامع الصغير برواية ابن ماجه ثلاثة . منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، أي : فهي بشرى من الله ، هذا ويحتمل أن هذا يكون مسموعا لابن سيرين ، ولم يستحضره ممن رواه أو وقع له تواردا . وقال : هذا الكلام مصادفة وموافقة للحصر المذكور على الوجه المسطور ، وسنذكر حديثا آخر في شرح هذا الحديث يحصل به تمام المرام والله أعلم .

( فلا يقصه ) : بتشديد الصاد المفتوحة وفي نسخة بضمها ، فالأول نص على أنه نهي ، والثاني يحتمل النهي والنفي ، لكنه بمعنى النهي ، أي : لا يحكيه ( على أحد ) ، يستوي فيه المحب وغيره ، وقد جاء في رواية الترمذي ، عن أبي هريرة مرفوعا : إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها أو ليخبر بها ، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها ( وليقم فليصل ) . يعني : ليدفع الله الشيطان عنه ببركة قيامه وأداء صلاته ، وهذا إذا كان نشيطا ، وإلا فليبصق عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ، كما [ ص: 2920 ] سبق على أنه يمكن الجمع وهو الأولى ، ثم اعلم أن الجزري ذكر في الحصن قوله : وليقم فليصل ، ورمز له البخاري وهو موهم أنه مرفوع ، وقد صرح بعض المحققين بأن الأمر بالصلاة ليس بمرفوع في البخاري ، بل هو موقوف على محمد بن سيرين ، نعم هو مرفوع في الترمذي من حديث أبي هريرة كما قاله الإمام النووي في الأذكار .

( قال ) أي : محمد بن سيرين على ما جزم به بعض الشراح ، ولعل وجه إعادة قال طول الفصل بالمقال .

( وكان يكره الغل في النوم ، ويعجبهم القيد ) . قيل فاعل قال إن كان ابن سيرين قال ما بعده من الحديث ، ويكون فاعل يقال ، ويكره ضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ضمير لأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وضميرهم في تعجبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أو لأبي هريرة وأمثاله ، وإن كان فاعل قال ضمير الراوي عن ابن سيرين كان ما بعده منقولا عن ابن سيرين ، وكان فاعل يكره ضميره وضميرهم له ولأمثاله ومعاصريه من المعبرين . قلت : ويؤيد الأخير إعادة قال ، وكذا قوله : ( ويقال : القيد ثبات في الدين ) ، أي : ثبات قدم ورسوخ تمكين . ( متفق عليه ) أي : ذكر الحديث بكماله المشتمل على المرفوع والموقوف البخاري ومسلم ، لكن لهما تردد في آخر الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية