صفحة جزء
4615 - قال البخاري : رواه قتادة ويونس وهشيم وأبو هلال عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة . وقال يونس : لا أحسبه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القيد . وقال مسلم : لا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين ؟ .

وفي رواية نحوه ، وأدرج في الحديث قوله : " وأكره الغل . " إلى تمام الكلام .


4615 - ( قال البخاري : رواه ) أي : الحديث مطلقا أو بالقيد ( قتادة ويونس وهشيم وأبو هلال ) أي : كلهم ( عن ابن سيرين عن أبي هريرة ) أي : مرفوعا في أوله وموقوفا في آخره . ( وقال يونس ) أي : أحد الرواة عن ابن سيرين ( لا أحسبه ) أي : لا أظن الحديث ( إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القيد ) ، أي : في شأنه . قلت : وتعبيره بيقال مما يأبى أن يكون موقوفا فضلا عن أن يكون مرفوعا .

( وقال مسلم : لا أدري هو ) أي : القيد ( في الحديث ) أي : مرفوع أو موقوف ( أم قاله ابن سيرين ؟ ) أي : من عنده . قلت : وهو الظاهر الذي لا ينبغي أن يشك فيه لما قدمناه ، لا يقال كلام الشيخين ليس في قوله ، ويقال : القيد ، بل في قوله : ويعجبهم القيد ; لأننا نقول : لو كان المراد هذا لما خص بالقيد ; لأن الغل كذلك ، هذا ولم يقل أحد من الشيخين أن فاعل قال راوي ابن سيرين ، وقال الطيبي وقوله : وكان يكره محتمل أن يكون مقولا لراوي ابن سيرين ، فيكون اسم كان ضمير ابن سيرين ، وأن يكون مقولا لابن سيرين ، فاسمه ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - فقول مسلم : لا أدري هو في الحديث أو قاله ابن سيرين معناه : لا أدري أن قال مقول لراوي ابن سيرين ، فيكون قولا لابن سيرين ، أو يكون مقولا لابن سيرين ، فيكون من الحديث إما عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو عن أبي هريرة ، واختار يونس أن يكون مقولا لابن سيرين ، واسم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقوله : لا أحسبه ، أي : قال يونس في شأن القيد لا أحسبه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقوله : وأنا أقول يشعر بالاختصاص ، ورفع التوهم أن هذه الخلال الثلاث من متن الحديث الذي أدرج فيه هذه الخلال من غير فصل . قلت : فيه بحث ظاهر .

( وفي رواية ) أي : وفي رواية أخرى لهما أو لمسلم ( نحوه ) أي : نحو الحديث المذكور في المعنى ( وأدرج ) أي : أدخل وأدمج ( في الحديث ) أي : في هذه الرواية الأخرى ( قوله : " وأكره الغل " إلى تمام الكلام ) فيكون أكره عطفا على أقول ، فيصير نصا على أنه من جملة كلام ابن سيرين ، وهذا هو الظاهر الصحيح ، وبهذا التبيين يتضح ما في شرح السنة من رواية مسلم ، ورواه قتادة أيضا عن ابن سيرين ، وأدرج الكل في الحديث ، وقوله : ويقال القيد من أقوال المعبرين اهـ .

وفي الجامع الصغير برواية الترمذي ، وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا ولفظه : " الرؤيا ثلاث : فبشرى من الله ، وحديث النفس ، وتخويف من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ، وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي ، وأكره الغل وأحب القيد ، والقيد ثبات في الدين " اهـ . فتأمل ، فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ، ولم يتضح حديث إلا بجمع ألفاظه ورواياته والله أعلم .

[ ص: 2921 ] وفي شرح مسلم للنووي ، قال العلماء : إنما أحب القيد ; لأنه في الرجلين ، وهو كف من المعاصي والشرور وأنواع الباطل . قلت : وفيه إيماء أيضا إلى اختيار الخلوة وترك الجلوة ، كما هو شأن أرباب العزلة من ترك الإقدام على الخروج بالأقدام وهو المعني بقولهم : القيد ثبات في الدين . قال : وأبغض الغل ; لأن موضعه العنق ، وهو صفة أهل النار قال تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم ، قلت : وفيه إشارة أيضا إلى أن الرقبة مستثقلة بالذمة من حقوق الله وغيره ، فهذا الاستثقال في الدنيا يورث الأغلال في الأخرى ، ثم رأيت بعض الشراح من علمائنا قال : وإنما يكون الغل في النوم ; لأن الغل تقييد العنق وتثقيله بتحمل الدين أو المظالم ، أو كونه محكوما ورقيقا متعلقا بشيء ، أو لأنه حق الكفار في النار .

قال النووي : وأما أهل التعبير فقالوا : إذا رأى القيد في الرجلين ، وهو في مسجد أو مشهد خير ، أو على حالة حسنة ، فهو دليل لثباته في ذلك ، ولو رآه مريض ، أو مسجون ، أو مسافر أو مكروب ، كان دليلا على ثباته فيه . قلت : بل هو إشارة إلى صبره وثبات قدمه بعدم الجزع والفزع والتردد إلى مخلوق مثله ، وبالقيام بما يجب عليه من حقوق الله وغيره . قال : وإذا انضم معه الغل دل على زيادة ما هو فيه من المكروه . قلت : بل له إشارة إلى وجوب تخليص ما في رقبته من قضاء الصلاة ، والتوبة عن السيئات ، وأداء ديون العباد ، واستحلال ما صدر منه في البلاد ، والحاصل أن الرؤيا مختلفة باختلاف الرائي ، فإنه قد يكون سالكا من مسالك طريق الدنيا ، وقد يكون سائرا في مسائر صراط العقبى ، فلكل تأويل يليق به ويناسب بحاله ومقامه ، وهذا أمر غير منضبط ، ولذا لم يجعل السلف فيه تأليفا مستقلا جامعا شاملا كافلا لأنواع الرؤيا ، وإنما تكلموا في بعض ما وقع لهم من القضايا ، ولذا لم تلق معبرين يكونان في تعبيرهما لشيء متفقين . قال : وأما إذا كانت اليدان مغلولتين في العنق ، فهو حسن ودليل على فكهما من الشر . قلت : وما أبعد هذا التأويل . نعم قوله : وقد يدل على البخل وهو الصواب لقوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، وهو يشمل الإمساك المالي والبخل الفعالي ، فقوله : وقد يدل على منع ما نواه من الأفعال مستدرك في المآل ، وله وجه آخر أن يؤول له بالعقوبة إن لم ينته عما فيه من المعصية ، كما أشار إليه قوله تعالى : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ، بناء على أنه إخبار عما سيقع لهم من الأغلال في الآخرة ، ويدل على هذا القول قوله : وكان يكره الغل ; لأنه بعمومه يشمل ما إذا كانت اليدان معه أو بدونه ، بل كونهما معه ينبغي أن يكون أشد كراهة ، فكيف يكون حسنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية