صفحة جزء
[ ص: 2935 ] كتاب الآداب

( 1 ) باب السلام

الفصل الأول

4628 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر ، وهم نفر من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فذهب ، فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك ورحمة الله " قال : فزادوه " ورحمة الله " . قال : " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا ، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن " . متفق عليه .


كتاب الآداب

الأدب : استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل الأخذ بمكارم الأخلاق ذكره السيوطي ، وقيل : الوقوف مع الحسنات والإعراض عن السيئات ، وقيل : التعظيم لمن فوقك والرفق بمن دونك ، ويقال : إنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى طعام ؛ سمي بذلك لأنه يدعى إليه .

( 1 ) باب السلام

أي : ابتداء وجوابا ، والأول أفضل مع أنه سنة ، ومن القواعد أن الواجب ثوابه أكمل ، ولعل وجهه أنه مشتمل على التواضع مع كونه سببا لأداء الفرض ، ونظيره النظرة عن المعسر إلى الميسرة ، فإنها واجبة والإبراء أفضل منها ، مع أنه سنة . وفي الحديث : " السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض ، فأفشوه بينكم ، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكره إياهم السلام ، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب " رواه البزار والبيهقي عن ابن مسعود .

الفصل الأول

4628 - ( عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خلق الله آدم على صورته ) أي : على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط ، وإلى أن مات دفعا لتوهم أن صورته كانت في الجنة على صفة أخرى ، وقيل : الضمير لله ، والمراد بالصورة الصفة من الحياة والعلم والسمع والبصر ، وإن كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء ، وقيل : الضمير للعبد المحذوف من السياق ، وإن سبب الحديث أن رجلا ضرب وجه غلام فنهاه عن ذلك وقال : إن الله خلق آدم على صورته . كذا في حاشية البخاري للسيوطي ، وقال الخطابي : الهاء مرجعها إلى آدم عليه السلام ، فالمعنى : أن ذرية آدم خلقوا أطوارا في مبدأ الخلق نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم صاروا صورا أجنة إلى أن تتم مدة الحمل ، فيولدون أطفالا وينشئون صغارا إلى أن يكبروا ، فيتم طول أجسادهم ، يقول : إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة ، ولكنه أول ما تناولته الخلقة وجد خلقا تاما . ( طوله ستون ذراعا ) .

وقال الشيخ التوربشتي : هذا كلام صحيح في موضعه ، فأما قي تأويل هذا الحديث ، فإنه غير سديد لما في حديث آخر : خلق آدم على صورة الرحمن ، ولما في غير هذه الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يضرب وجه غلام ، فقال : " لا تضرب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته " فالمعنى الذي ذهب إليه هذا المؤول لا يلائم هذا القول . وأهل الحق في تأويل ذلك على طبقتين ؛ إحداهما : المنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه ، وعدم الركون إلى مسميات الجنس وإحالة المعنى فيه إلى علم الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علما ، وهذا أسلم الطريقين . والطبقة الأخرى : يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف ، وذلك أن الله تعالى ، خلق آدم أبا البشر على صورة لم يشاكلها شيء والصور في الجمال والكمال ، وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة ، فاستحقت الصورة البشرية أن تكرم ولا تهان اتباعا لسنة الله تعالى فيها وتكريما لما كرمه اهـ . وهو في غاية البهاء ، ويؤيده قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وأغرب الطيبي في تعقيبه عليه ، وفي قوله : إن تأويل أبي سليمان سديد يجب المصير إليه ، وفي ذكر ما لا طائل تحته ولا منفعة لديه .

[ ص: 2936 ] ( فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر ) أي : الجماعة ( وهم نفر من الملائكة جلوس ) : أفرد لأنه مصدر أو مراعاة للفظ " نفر " أو جمع جالس ، أو تقديره ذوو جلوس ، أو من قبيل رجل عدل مبالغة ( فاستمع ) أي : فسلم عليهم فاستمع ( ما يحيونك ) : بتشديد التحتية ، أي : الذي يحيونك من قوله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وأما ما وقع في بعض نسخ المصابيح بالجيم والتحتية والموحدة فتصحيف وتحريف ويرده قوله : ( فإنها ) أي : تحيتهم إياك ( تحيتك وتحية ذريتك ) أي : لمن يسلم عليك وعليهم ( فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك ورحمة الله قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فزادوه ) أي : آدم في رد جوابه على أصل سلامه بقولهم ( ورحمة الله ) : قيل : يدل هذا على جواز الزيادة . قلت : بل الزيادة هي الأفضل ، كما يستفاد من الآية أيضا ، نعم يدل على جواز تقديم السلام في الجواب ، بل على ندبه ; لأن المقام مقام التعليم ، لكن الجمهور على أن الجواب بقوله : وعليكم السلام أفضل سواء زاد أم لا . ولعل الملائكة أيضا أرادوا إنشاء السلام على آدم ، كما يقع كثيرا فيما بين الناس ، لكن يشترط في صحة الجواب أن يقع بعد السلام ، لا أن يقعا معا ، كما يدل عليه فاء التعقيب ، وهذه مسألة أكثر الناس عنها غافلون ، فلو التقى رجلان وسلم كل منهما على صاحبه دفعة واحدة يجب على كل منهما الجواب .

( قال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فكل ) : كذا في الأصول المعتمدة من البخاري وغيره ، وجميع نسخ المصابيح بالفاء ، وهو مترتب على ما سبق من قوله : خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا ، وحاصله أن جميع ( من يدخل الجنة ) أي : من أولاده ( على صورة آدم ) أي : يدخل على صورته ، أو فهو على صورته ، وهي تحتمل النوعية والشخصية ( وطوله ) أي : والحال أن طول من يدخل الجنة من ذريته أيضا ( ستون ذراعا ) : بناء على أن كل شيء يرجع إلى أصله ، وفي الجامع على صورة آدم في طوله ستون ذراعا ( فلم يزل ) : هذه الفاء للترتيب على قوله : طوله ستون ذراعا في صدر الحديث متضمنا لجواب سؤال مقدر تقديره أنه إذا كان آدم طوله ستون ذراعا وذريته يدخلون الجنة أيضا ، وطولهم ستون ذراعا ، فما بالهم نقص طولهم عن طول أبيهم على ما نشاهد في الدنيا ، أهو نقصان تدريجي ، أو غير ذلك ؟ قال : فلم يزل ( الخلق ) أي : غالبهم من أولاد بني آدم ( ينقص ) أي : طولهم ، وأما قول الطيبي : وجمالهم فما أظنه صحيحا مع أن الحديث لا يدل عليه لا رمزا ولا صريحا ( بعده ) أي : بعد آدم لحكمة اقتضت والله أعلم بها . ( حتى الآن ) : بالنصب ظرف ينقص ، أي : حتى وصل النقص إلى الوقت الذي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، الظاهر أن النقصان انتهى إلى ذلك الزمان ، وإلا فلم يحفظ تفاوت في طول القامة بين السلف والخلف إلى مدتها الآن . ( متفق عليه ) : وكذا رواه الإمام أحمد في مسنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية