صفحة جزء
[ ص: 2972 ] باب القيام

الفصل الأول

4695 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ، وكان قريبا منه ، فجاء على حمار ، فلما دنا من المسجد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار : " قوموا إلى سيدكم " . متفق عليه . ومعنى الحديث بطوله في " باب حكم الإسراء " .


باب القيام

الفصل الأول

4695 - ( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما نزلت بنو قريظة ) : بالتصغير وهم جماعة من اليهود ( على حكم سعد ) ، أي : ابن معاذ لكونهم من حلفاء قومه ، وفي المغرب : المراد بالسعدين في اصطلاح المحدثين إذا أطلقا سعد بن عبادة وسعد بن معاذ اهـ . وقد تقدمت ترجمته ( بعث ) أي : رسولا ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : إليه كما في نسخة صحيحة ( وكان ) أي : سعد ( قريبا منه ) ، أي نازلا في موضع قريب منه - صلى الله عليه وسلم - ( فجاء على حمار ) ، أي : راكبا عليه لعذر ( فلما دنا ) أي : قرب ( من المسجد ) ، أي : المصلى ذكره الملك ، وقال ميرك : قيل إن المسجد هنا ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان نازلا في بني قريظة ، إلا أن يراد بالمسجد الذي صلى فيه - صلى الله عليه وسلم - مدة مقامه فيهم . ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار ) أي : مخاطبا لهم كلهم أو لقومه خاصة فإنهم كانوا طائفتين . ( قوموا إلى سيدكم ) . قيل أي : لتعظيمه ، ويستدل به على عدم كراهته ، فيكون الأمر للإباحة ولبيان الجواز ، وقيل : معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار إذ كان به مرض وأثر جرح أصاب أكحله يوم الأحزاب ، ولو أراد تعظيمه لقال : قوموا لسيدكم ، ومما يؤيده تخصيص الأنصار والتنصيص على السيادة المضافة ، وأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون له - صلى الله عليه وسلم - تعظيما له ، مع أنه سيد الخلق ؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك على ما سيأتي .

قال التوربشتي : ليس هذا من القيام الذي يراد به التعظيم على ما كان يتعاهده الأعاجم في شيء ، فكيف يجوز أن يأمر بما إسناده صحيح أنه نهى عنه وعرف منه إلى آخر العهد ، وإنما كان سعد بن معاذ رضي الله عنه وجعا لما رمي في أكحله مخوفا عليه من الحركة حذرا من سيلان العرق بالدم ، وقد أتي به يومئذ للحكم الذي سلمت إليه بنو قريظة إليه عند النزول على حكمه ، فأمرهم بالقيام إليه ليعينوه على النزول من على الحمار ، ويرفقوا به فلا يصيبه ألم من المركب ، ولو كان يريد به التوقير والتعظيم لقال : قوموا لسيدكم ، وأما ما ذكر في قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - لعكرمة بن أبي جهل عند قدومه عليه ، وما روي عن عدي بن حاتم : ما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قام إلي أو تحرك ، فإن ذلك مما لا يصح الاحتجاج به لضعفه ، المشهور عن عدي إلا وسع لي ، ولو ثبت فالوجه فيه أن يحمل على الترخيص حيث يقتضيه الحال ، وقد كان عكرمة من رؤساء قريش ، وعدي كان سيد بني طيئ ، فرأى تأليفهما بذلك على الإسلام ، أو عرف من جانبهما تطلعا إليه على حسب ما يقتضيه حب الرياسة اهـ .

والظاهر أن قيامه لعكرمة إنما كان لكونه قادما مهاجرا كما سبق أنه قال له : مرحبا بالراكب المهاجر ، وقد تعقب الطيبي التوربشتي بأن " إلى " في هذا المقام أفخم من اللام ، وأتى بما يرجع عليه الملام ، وخرج عن مقام المرام ، وقال بعض العلماء : في الحديث إكرام أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا ، هكذا احتج بالحديث جماهير العلماء . وقال القاضي عياض : القيام المنهي تمثلهم قياما طول جلوسه ، وقال النووي : هذا القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاءت أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح ، وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيه عما يوهم النهي عنه اهـ .

[ ص: 2973 ] وتعقبه ابن الحاج المالكي في مدخله ورد عليه ردا بليغا ، ثم اختلفوا في الذين عناهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : قوموا إلى سيدكم ، هل هم الأنصار خاصة أم جميع من حضر من المهاجرين معهم ؟ قلت : هذا وهم فإنه مع صريح قوله للأنصار : قوموا ، كيف يتصور العموم الشامل للمهاجرين ؟ نعم يحتمل عموم الأنصار وخصوص قومه منهم على ما قدمناه والله أعلم . وقال الإمام حجة الإسلام : القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام ، ولعله أراد بالإكراه القيام للتحية بمزيد المحبة ، كما تدل عليه المصافحة ، وبالإعظام التمثل له بالقيام وهو جالس على عادة الأمراء الفخام ، والله أعلم بكل حال ومقام . ( متفق عليه ) . وكذا رواه الإمام أبو داود ، ومضى الحديث بطوله في باب حكم الإسراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية