صفحة جزء
4785 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون " قالها ثلاثا . رواه مسلم .


4785 - ( وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون ) أي : المتكلفون في الفصاحة ، أو المصوتون من قعر حلوقهم ، والمرددون لكلامهم في أفواههم رعونة في القول . قال التوربشتي : أراد بهم المتعمقين الغالين في خوضهم فيما لا يعنيهم من الكلام ، والأصل في المتنطع الذي يتكلم بأقصى حلقه مأخوذا من النطع وهو الغار الأعلى . ( قالها ) أي : هذه الكلمة أو الجملة ( ثلاثا ) : إنما ردد القول ثلاثا تهويلا وتنبيها على ما فيه من الغائلة ، وتحريضا على التيقظ والتبصر دونه ، وكم تحت هذه الكلمة من مصيبة تعود على أهل اللسان والمتكلفين في القول ، الذين يرومون بسبك الكلام سبي قلوب الرجال ، نسأل الله العافية من الدخول في الأوحال .

قال الطيبي : لعل المذموم من هذا ما يكون القصد فيه مقصورا على مراعاة اللفظ ، فجيء المعنى تابعا للفظ ، وأما إذا كان بالعكس ، وكلام الله تعالى ، وكلام الرسول مصبوب في هذا القالب ، فيرفع الكلام إلى الدرجة القصوى . قال تعالى حكاية عن الهدهد : وجئتك من سبإ بنبإ يقين : هذا من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع ، وهو من محاسن الكلام التي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعا ، أو بصيغة العالم بجوهر الكلام يحفظ معه صحة المعنى وسداده ، ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة فحسن وبدع لفظا ومعنى ، ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبأ بخبر لكان المعنى صحيحا ، وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال . وقال أبو الحسن الهروي صاحب دلائل النبوة : اعلم أن التلاؤم يكون بتلاؤم الحروف ، وتلاؤم الحركات والسكنات ، وتلاؤم المعنى ، فإذا اجتمعت هذه الوجوه خرج الكلام غاية في العذوبة ، وفي حصول بعضها دون بعض انحطاط عن درجة العذوبة ، وكلما ظهرت الصيغة أكثر كان الكلام أقرب إلى التعسف . ( رواه مسلم ) وكذا أحمد وأبو داود .

[ ص: 3013 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية