صفحة جزء
4788 - وعن جندب - رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بعض المشاهد وقد دميت أصبعه فقال : " هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت " متفق عليه .


4788 - ( وعن جندب ) : بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضا ، وهو ابن عبد الله بن سفيان البجلي ، روى عنه جماعة ، مات في فتنة ابن الزبير ، ذكره المؤلف في فصل الصحابة .

[ ص: 3014 ] ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بعض المشاهد ) أي : المغازي ، وهو غزوة أحد على ما قاله العلامة الكرماني في شرح البخاري ، ووقع في صحيح مسلم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار فدميت أصبعه ، قال القاضي عياض : قال أبو الوليد الباجي : لعله غازيا فتصحف . قلت : الأظهر في التصحيف أن يقال في غاز بالزاي ، والتقدير في فريق غاز أي معهم ، ثم قال الباجي : لما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد ، ولما جاء في رواية للبخاري يعني في كتاب الأدب : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي إذ أصابه حجر فدميت أصبعه . قال القاضي عياض : وقد يراد بالغار الجيش والجمع لا الغار الذي هو الكهف ليوافق رواية بعض المشاهد ، ومنه قول علي كرم الله وجهه : ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين ؟ ! . أي : العسكرين ، وقال العسقلاني : وقع في رواية شعبة ، عن الأسود خرج إلى الصلاة أخرجه الطيالسي وأحمد . قلت : يمكن الجمع بأنه كان في غزوة ، وخرج إلى الصلاة فآجره مرتين أو في سبيل الله كرتين .

( وقد دميت ) : بفتح الدال ( إصبعه ) : بكسر الهمزة وفتح الموحدة على ما في الأصول ، وفي القاموس أنه مثلث الهمزة والباء ، ففيه تسع لغات . عاشرها : أصبوع ، وفي الشمائل أصاب حجر أصبع النبي - صلى الله عليه وسلم - فدميت ( فقال ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - اتفاقا على مقتضى الطبع السليم السليقي من غير قصد إلى وزنه ، كما يقع لكثير من الناس ( هل أنت إلا أصبع دميت ) : الاستفهام في معنى النفي ، ودميت صفة أصبع ، والمستثنى منه أعم عام الصفة أي : ما أنت يا أصبع موصوفة بشيء من الأشياء إلا بأن دميت كأنها لما تجرحت وتوجعت فخاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة مسليا لها ، والمعنى : هوني على نفسك ، فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع ، سوى أنك دميت ، و لم يكن ذلك هدرا ، بل كان في سبيل الله ورضاه كما أفاده بقوله : ( وفي سبيل الله ما لقيت ) : " ما " موصولة أي : الذي لقيته هو في سبيل الله لا في سبيل غيره ، فلا يكون ضائعا فافرحي به . قيل : ويجوز أن يكون " ما " نافية أي : ما لقيت شيئا تحقيرا لما لقيه فيه . قلت : هذا تحصيل للحاصل ؛ لأنه استفيد من المصراع الأول مع ما يوهم إطلاقه من الخلل فتأمل . قال السيوطي : الرواية بكسر التاء فيهما ، ومن قال إنهما بالسكون فرارا من الوزن يعارضه فإنه مع السكون أيضا موزون من الكامل ، واختلفوا هل قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - منشئا أو متمثلا ؟ وبالثاني جزم الطبري وغيره ، فقيل : هو للوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيل : لعبد الله بن رواحة قاله في غزوة مؤتة وقد أصيبت أصبعه . وبعده :

يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذي حياض الموت قد صليت     وما تمنيت فقد لقيت
إن تفعلي فعلهما هديت



أي : فعل زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب اهـ . وقد جزم بعض شراح المصابيح بأن الرجز الذي في الحديث قول ابن رواحة ، وقد تلفظ به النبي - صلى الله عليه وسلم - . قلت : الظاهر أن ابن رواحة ضمن كلامه - صلى الله عليه وسلم - تبركا ، وصدر به شعرا صدر من صدره تيمنا ؛ لأن قضية مؤتة متأخرة عن غزوة أحد مع احتمال التوارد والله أعلم .

قال الخطابي : اختلف الناس في هذا ، وما أشبهه من الرجز الذي جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأوقاته ، وفي تأويل ذلك مع شهادة الله تعالى بأنه لم يعلمه الشعر وما ينبغي له ، فذهب بعضهم إلى أن الرجز ليس بشعر ، وذهب بعضهم إلى أن هذا وما أشبهه ، وإن استوى على وزن الشعر ، فإنه لم يقصد به الشعر إذ لم يكن صدوره عن نية له وروية فيه ، وإنما هو اتفاق كلام يقع أحيانا ، فيخرج منه الشيء بعد الشيء على أعاريض الشعر ، وقد وجد في كتاب الله العزيز من هذا القبيل ، وهذا مما لا يشك فيه أنه ليس بشعر ، وقال بعضهم : معنى قول الله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ، الرد على المشركين في قولهم : بل افتراه بل هو شاعر . والبيت الواحد من الشعر لا يلزمه هذا الاسم ، فلا يخالف معنى الآية . هذا مع قوله : إن من الشعر لحكمة ، وإنما الشاعر هو الذي قصد الشعر ونشيه ويصفه ويمدحه ويتصرف تصرف الشعراء في هذه الأفانين ، وقد برأ الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك وصان قدره ، وأخبر أن الشعر لا ينبغي له ، وإذا كان مراد الآية هذا المعنى لم يضر أن يجري على لسانه الشيء اليسير منه ، فلا يلزمه الاسم المنفي عنه .

قال القاضي عياض : وقد غفل بعض الناس وقال رواية : أنا النبي لا كذب بفتح الباء ، وأنا ابن عبد المطلب بالخفض ، وكذا قوله : دميت من غير مد حرصا منه على أنه يغير الرواية ليستغني عن الاعتذار ، وإنما

[ ص: 3015 ] الرواية بإسكان الباء والمد اهـ . وسبق أن القصر ما يضر بالوزن ، وأما ما في بعض النسخ من ضبط قوله : دميت ولقيت على صيغة الغائبة ، وإن كان يخرجه عن حيز الوزن لكن لا أصل له أصلا . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية