صفحة جزء
4828 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : أثنى رجل على رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ويلك قطعت عنق أخيك " ثلاثا " من كان منكم مادحا لا محالة فليقل : أحسب فلانا ، والله حسبه ، إن كان يرى أنه كذلك ، ولا يزكي على الله أحدا " . متفق عليه .


4828 - ( وعن أبي بكرة ) أي : الثقفي ( قال : أثنى رجل على رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أي : بالغ في مدحه ( فقال : ويلك ) : الويل بمعنى الهلاك أي : هلكت هلاكا وأهلكت إهلاكا ، وفي نسخة . ويحك وهو للشفقة والمرحمة بخلاف الأول ، فإنه للزجر في الموعظة ( قطعت عنق أخيك ) : بضم عين ونون في جميع النسخ المصححة والأصول المعتمدة ، وفي القاموس : العنق بالضم وبضمتين ، وكأمير وصرد : الجيد ويؤنث ، وإنما كره ذلك .

[ ص: 3032 ] لئلا يغتر المقول له فيستشعر الكبر والعجب ، وذلك جناية عليه فيصير كأنه قطع عنقه فأهلكه . قال النووي : هذه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك ، لكن هذا الهلاك في الدين ، وقد يكون من جهة الدنيا ( ثلاثا ) أي : قاله ثلاث مرات ( من كان منكم ) : استئناف لبيان المدح الممدوح ( مادحا ) أي : لأحد ( لا محالة ) : بفتح الميم أي : ألبتة ، وفي نسخة بضمها ففي القاموس : لا محالة منه بالفتح أي : لا بد والمحال بالضم من الكلام ما عدل عن وجهه ، وفي الصحاح : لا محالة بالضم بمعنى لا بد أي : لا فراق وبالفتح بمعنى لا احتيال ( فليقل : أحسب فلانا ) بكسر السين وفتحها أي : أظنه كذا وكذا ، يعني رجلا صالحا مثلا ( والله حسيبه ) أي : محاسبه ومجازيه على أعماله وهو عالم به ومطلع على أحواله ، والجملة حال من المفعول وبقية المقول ( إن كان ) : شرط للإباحة في القول المسطور أي : فليقل ما ذكر إن كان القائل المادح ( يرى ) : بضم الياء أي : يظن وفي نسخة بفتحها أي : يعلم ( أنه ) أي : الممدوح ( كذلك ) أي : مثل ما مدحه ( ولا يزكي ) أي : والحال أن المادح لا يزكي ( على الله ) أي : على حكم من قضائه وقدره ( أحدا ) : والمعنى : لا يقطع بتقوى أحد ولا بتزكيته عند الله ، فإن ذلك غيب ، وقيل عداه بعلى لتضمنه معنى الغلبة ؛ لأن من جزم على تزكية أحد عند الله فكأنه غلب عليه في معرفته ، هذا ما ظهر لي في حل هذا المحل . وقال الأشرف : والله حسيبه جملة اعتراضية ، وقوله : إن كان يرى متعلق بقوله أحسب فلانا ، وقوله ولا يزكي على الله أحدا منع عن الجزم وهو عطف على قوله فليقل اهـ . وفيه أن " لا يزكي " جاء بإثبات الياء ، فيحتاج على هذا بأن يقال إخبار في معنى النهي ، أي : ولا يكن منكم التزكية على الله ، وقد أبعد بعضهم حيث قال : ولا يزكي عطف على يرى وهو الصواب ، وأنت لا يخفى عليك أنه هو الخطأ منه في هذا الباب ، ثم لا يخلو كلام الطيبي من الإغراب أيضا في الإعراب ؛ حيث قال : " إن كان يرى " الجملة الشرطية وقعت حالا من فاعل فليقل : و " على " في " على الله " فيه معنى الوجوب ، والله أعلم . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية