صفحة جزء
[ ص: 3040 ] 4839 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - رفعه قال : " إذا أصبح ابن آدم ، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، فتقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا " . رواه الترمذي .


4839 - ( وعن أبي سعيد ) أي : الخدري ( رفعه ) ، أي : أسند الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أبهمه الراوي ; لأنه شك في كيفية رفعه ، أنه هل هو بصيغة السمع أو القول ونحوهما ؟ ( قال : إذا أصبح ابن آدم ) أي : دخل في الصباح وهو مفتاح باب النجاح ; لأن آفات اللسان إنما هي بمعاشرة الإخوان ، وهي في النهار أكثر باعتبار أغلب الأزمان ( فإن الأعضاء ) أي : التي يتأتى منها العصيان أو مطلقها ، فإن لها تعلقا ما في الحركات والسكنات للإنسان ، ويؤيده تأكيدها بقوله : ( كلها تكفر ) : بتشديد الفاء المكسورة أي : تتذلل وتتواضع ( اللسان ) : من قولهم : كفر اليهودي : إذا خضع مطأطئا رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه ، كذا قاله شارح . وفي النهاية : التكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه ( فتقول ) أي : الأعضاء له ( اتق الله فينا ) ، أي : في حفظ حقوقنا ( فإنما نحن بك ) ، أي : نتعلق ونستقيم ونعوج بك ( فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا ) : قال الطيبي ، فإن قلت : كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله - صلى الله عليه وسلم : " إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " . قلت : اللسان ترجمان القلب وخليفته في ظاهر البدن ، فإذا أسند إليه الأمر يكون على سبيل المجاز في الحكم كما في قولك : شفى الطبيب المريض . قال الميداني قوله : المرء بأصغريه ، يعني بهما القلب واللسان أي : يقوم ويكمل معانيه بهما ، وأنشد لزهير :

وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم




لسان الفتى نصف ونصف فؤاده     فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

اهـ .

ولا يخفى ظهور توقف صلاح الأعضاء وفسادها على القلب بحسب صلاحه وفساده ، فإنه معدن الأخلاق الكريمة ، كما أنه منبع الأحوال الذميمة ، ونظيره الملك المطاع والرئيس المتبع ، فإنه إذا صلح المتبوع صلح التبع ، وقد قال بعض أكابر الصوفية : إن البطن عضو إن جاع هو شبع سائر الأعضاء ، يعني : سكن ، فلا يطالبك بشيء ، وإن شبع هو جاع سائر الأعضاء ، وبيانه على ما في منهاج العابدين : أن من كثرة الأكل فتنة الأعضاء وانبعاثها للفضول والفساد ، فالرجل إذا كان شبعان بطرا اشتهت عينه النظر إلى ما لا يعنيه من حرام أو فضول ، والأذن الاستماع إليه ، واللسان التكلم به ، والفرج الشهوة ، والرجل المشي إليه ، وإذا كان جائعا فتكون الأعضاء كلها ساكنة هادئة لا تطمح إلى شيء من هذا ، ولا تنشط له ، وجملة الأمر أن أفعال الرجل وأقواله على حسب طعامه وشرابه إن دخل الحرام خرج الحرام ، وإن دخل الفضول خرج الفضول كان الطعام بذر الأفعال والأفعال نبتا يبدو منه ، فهذا المعنى ظاهر جدا في أمر القلب والبطن ، وأما تعلق الأعضاء جميعها باللسان ، فلم يظهر لي مدة من الزمان حتى ألهمني الله تعالى ببركة الصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو أن اللسان من أعضاء الإنسان آلة البيان للكفر والإيمان ، فمع استقامته تنفعه استقامة سائر الأعضاء ، ومع اعوجاجه تبطل أحوالها ، سواء تكون مستقيمة أو معوجة في أفعالها ، والله الملهم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب . ( رواه الترمذي ) ، وكذا ابن خزيمة والبيهقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية