صفحة جزء
4912 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه " . قيل : من يا رسول الله ؟ قال : " من أدرك والديه عند الكبر ، أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " . رواه مسلم .


4912 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : رغم ) : بفتح فكسر أي : لصق بالرغام وهو التراب المختلطة بالرمل ( أنفه ) : والمراد به الذل ، وهو إخبار أو دعاء ، والضمير مبهم سنبينه ، والقصد من الإبهام ، ثم التبيين كونه أوقع في نفس السامع ، وكذا تأكيده بإعادته مرتين . ( رغم أنفه ، رغم أنفه قيل : من ) أي : من هو أو هو من أو تعني من أو أنف من ( يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه ) : فيه تغليب ( عند الكبر ) : خص به ; لأنه أحوج الأوقات إلى حقوقهما . قال المظهر : هو ظرف في موضع الحال ، والظرف إذا كان في موضع الحال يرفع ما بعده ، فقوله : ( أحدهما ) : مرفوع بالظرف وقوله :

[ ص: 3080 ] ( أو كلاهما ) : معطوف على أحدهما . اهـ . فهما فاعلان في المعنى ، وقال الأشرف : يجوز أن يكون أحدهما خبرا لمبتدأ محذوف ، أي : مدركه أحدهما أو كلاهما ، فإن من أدرك شيئا فقد أدركه ذلك الشيء ، وهذه الجملة بيان لقوله : من أدرك والديه . وفي شرح المصابيح قوله : من أدرك والديه الكبر أحدهما أو كلاهما . الكبر : فاعل أدرك ، وأحدهما مفعوله . قلت : الظاهر أنه بدل من مفعوله وهو والديه .

قال الطيبي قوله : عند الكبر بالإضافة ، وأحدهما أو كلاهما مرفوعان ، هكذا هو في جميع روايات مسلم ، وفي كتاب الحميدي ، وجامع الأصول ، وبعض نسخ المصابيح ، وغيره في بعضها إلى قوله عنده بالهاء والكبر بالرفع ، وأحدهما أو كليهما بالنصب ، نعم هو في الترمذي ، كذا عن أبي هريرة أنه قال - صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة " . اهـ . ثم عطف على ( أدرك ) أي : ( ثم ) : بعد إدراكه ما ذكر وإمهاله مدة يسع فيها قضاء حقوقهما وأداء برهما ( لم يدخل الجنة ) : بصيغة المعلوم من الدخول أي : لم يدخلها بسبب عقوقهما والتقصير في حقوقهما . وقال النووي : معناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة والنفقة وغير ذلك سبب لدخول الجنة ، فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة . وقال الطيبي ، ( ثم ) في قوله : ثم لم يدخل الجنة استبعادية يعني : ذل وخاب وخسر من أدرك تلك الفرصة التي هي موجبة للفلاح والفوز بالجنة ، ثم لم ينتهزها ، وانتهازها هو ما اشتمل عليه قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما إلى قوله : وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ، فإنه دل على الاجتناب عن جميع الأقوال المحرمة ، والإتيان بجميع كرائم الأقوال والأفعال من التواضع والخدمة والإنفاق عليهما ، ثم الدعاء لهما في العاقبة . ( رواه مسلم ) : وفي الجامع الصغير : " رغم أنفه ، ثم رغم أنفه ، ثم رغم أنفه ، من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كلاهما ، ثم لم يدخل الجنة " . رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ، ورواه الترمذي والحاكم عنه بلفظ : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية