صفحة جزء
4918 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ؟ فليصل رحمه " . متفق عليه .


4918 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يبسط ) بصيغة المجهول أي : يوسع ( له في رزقه ) أي : في دنياه أو آخرته ( وينسأ ) : بضم فسكون ففتح فنصب فهمزة أي : يؤخر ( له في أثره ) : بفتحتين أي : أجله ( فليصل رحمه ) : في النهاية : النسأ التأخير يقال : نسأت الشيء أنسأ وأنسأته إنساء : إذا أخرته ، والنساء الاسم ، ويكون في العمر والدين والأثر والأجل ، ويسمى به لأنه يتبع العمر . قال زهير :

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها والنفس واحدة والهم منتشر

    والمرء ما عاش ممدود له أمل
لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر



وأصله من أثر مشيه في الأرض ، فإن من مات لا يبقى له أثر ، فلا يرى لأقدامه في الأرض أثر . قال النووي : في تأخير الأجل سؤال مشهور ، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة ولا تزيد ولا تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، وأجاب العلماء بوجوه ، أحدها : أن الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة ، وصيانتها عن الضياع وغير ذلك . وثانيها : أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ، ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه ، فإن وصلها زيد له أربعون ، وقد علم الله تعالى ما سيقع له من ذلك ، وهو من معنى قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت ، فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق قدره لا زيادة ، بل هي مستحيلة ، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين يتصور الزيادة وهو مراد الحديث ، وثالثها : أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده ، فكأنه لم يمت وهو ضعيف . اهـ .

وإنما قال في القول الأوسط : إنه مراد الحديث ; لأن الأول أيضا يرجع إليه ، فإن بركة العمر وتوفيق العمل من جملة المقدرات التي لا تزيد ولا تنقص في الحقيقة ، وكذا الأخير ، وإنما ضعفه لأنه من جملة الصيت المشتمل على الرياء والسمعة غالبا ، فلا يصح أن يكون مراد الحديث ، وإن كان له وجه في الجملة على أنه ورد في غير حديث أن صلة الرحم تزيد في العمر ، فإرادة غير الأجل المتعارف خلاف الحقيقة ، والعدول منها إلى المجاز غير جائز بلا ضرورة . وقد غفل الطيبي عن هذا المعنى ، فتعقب النووي على غير المبنى ، فقال : وكان هذا الوجه أظهر ، فإن أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده ، فمعنى يؤخر في أثره أي : يؤخر ذكره الجميل بعد موته ، أو يجرى له ثواب عمله الصالح بعد موته . قال تعالى : ونكتب ما قدموا وآثارهم ، قلت : وفيه أن المعنى الثاني عام غير مخصوص بواصل الرحم . بقي الأول قال : وعليه كلام صاحب الفائق ; حيث قال : يجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا ، فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم . قلت : كيف يجوز ما عبر عنه الفائق بيجوز أن يكون هو الأظهر في مراد الحديث والله أعلم . ( متفق عليه ) : ورواه أبو داود والنسائي عن أنس ، وأحمد والبخاري أيضا عن أبي هريرة .

[ ص: 3085 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية