صفحة جزء
4919 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطعية . قال : " ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ! قال : فذاك " . متفق عليه .


4919 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خلق الله الخلق ) أي : قدر المخلوقات في العلم السابق على ما هو عليه وقت وجودهم ، ( فلما فرغ منه ) أي : لما صح ذلك ووقع ما هنالك . قال التوربشتي أي : قضاه وأتمه ، أو نحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز القول ، فإنه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن حتى يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل . ( قامت الرحم ) أي : قيام صورة مصورة أو معنوية مقدرة ( فأخذت بحقوي الرحمن ) أي : بكتفي رحمته العامة والخاصة ، والحقو بفتح الحاء وسكون القاف الإزار والخصر ، ومعقد الإزار في اللغة ، والمراد به هنا والله أعلم الاستعارة عن الاستغاثة والاستعانة ، كما يقال : أخذت بذيل الملك حتى أنصفني ، وتوضيحه أنه لما كان من شأن المستجير أن يستمسك بحقوي المستجار به ، وهما جنباه الأيمن والأيسر استعار الأخذ بالحقوين في اللياذ بالشيء . تقول العرب : عذت بحقو فلان أي : استجرت واعتصمت به .

والحاصل أن الرحم استعاذت بلسان المقال ، أو بيان الحال ، والتجأت وعاذت بعزة الله وعظمته من أن يقطعها أحد ، ووجه تخصيص الرحمن لا يخفى من مناسبة المبنى والمعنى ، ولا يبعد أن يقال : التقدير بحقوي عرش الرحمن أي : بطرفيه ، أو أطراف ذيله مترددة من جانب إلى جانب ، كما يدل عليه حديث عائشة الآتي : الرحم معلقة بالعرش . ( فقال : مه ) بفتح ميم وسكون هاء اسم فعل أي : اكففي وامتنعي عن هذا الالتجاء ، فإن حاجتك مقضية ، والأظهر أن يكون استفهاما وقلبت الألف هاء ، ويمكن حذف ألف الاستفهام ، ثم إتيان هاء السكت ، والمعنى ما يقول ، والمراد منه الأمر بإظهار الحاجة ليعلم الاعتناء بها لا الاستعلام ، فإنه يعلم السر وأخفى . ( قالت : هذا ) أي : مقامي هذا ( مقام العائذ ) أي : المستعيذ بك ( من القطيعة ) أي : قطيعتي ، والمعنى : أن سبب عياذي وباعث لياذي بذيل رحمتك التي وسعت كل شيء أن يقطعني أحد ، فيقع في غضبك وسخطك ( قال ألا ترضين ) بفتح الضاد أي : ألا تحبين ( أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ) أي : أرضى بذلك ، فإنك الرب تربي من تشاء بما تشاء وتعطي من تشاء ما تشاء . ( قال : فذاك ) . بكسر الكاف مبتدأ وخبره محذوف أي : لك ، والمعنى : أفعل ما قلت من الوصل والقطع .

قال النووي : الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ، والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام ، فيكون المراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظم إثم قاطعها ، ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة ، وقطيعتها معصية كبيرة ، وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض ، وأدناها ترك المهاجرة ، وصلتها بالكلام ولو بالسلام ، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب ، ولو وصل بعض الصلة و لم يصل غايتها ولا يسمى قاطعا ، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية