صفحة جزء
4958 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " . متفق عليه .


4958 - ( وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المسلم أخو المسلم ) ، فيه إشعار ‌بأن المسلم والمؤمن واحد لقوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة ، وهو مجمل تفصيله ما بعده ، ولهذا ورد منقطعا عما بعده على ما رواه أبو داود عن سويد بن حنظلة ، وابن عساكر عن واثلة ، وحاصله أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والأخ لا يضر أخاه ، بل ينفعه في كل ما يراه ، ويمكن أن يكون التركيب من قبيل التشبيه البليغ مبالغة ، كما ورد : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ( لا يظلمه ) ، نفي بمعنى النهي ، والمعنى : لا ينبغي له أن يظلمه ، وفي حكم المسلم الذمي والمستأمن ، ثم إنه لا مفهوم له ، فإن الظلم لا يتصور في حق الكافر ، وهو استئناف بيان للموجب أو لوجه الشبه ، فإن الظالم ينحط أولا عن رتبة النبوة : لا ينال عهدي الظالمين ، وثانيا عن درجة الولاية : ألا لعنة الله على الظالمين ، وثالثا عن مزيد السلطنة : لبيت الظالم خراب ولو بعد حين ، ورابعا : عن نظر الخلائق : جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ، وخامسا : عن حفظ نفسه : " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .


لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم آخره يأتيك بالندم

    نامت عيونك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم



( ولا يسلمه ) ، بضم أوله وكسر اللام أي : لا يخذله ، بل ينصره ، ففي النهاية يقال : أسلم فلان فلانا : إذا ألقاه إلى التهلكة و لم يحمه من عدوه ، وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء ، لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإلقاء في التهلكة ، وقال بعضهم : الهمزة فيه للسلب أي : لا يزيل سلمه ، وهو بكسر السين وفتحها الصلح ( ومن كان في حاجة أخيه ) أي : ساعيا في قضائها ( كان الله في حاجته ) هنا من قبيل المشاكلة ، وقد ورد في رواية مسلم عن أبي هريرة ولفظه : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " ، وفيه تنبيه نبيه على فضيلة عون الأخ على أموره ، وإشارة إلى أن المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية ، سواء كان بقلبه أو بدنه أو بهما لدفع المضار ، أو جذب المنافع إذ الكل عون ( ومن فرج ) بتشديد الراء ويخفف ، وفي رواية من نفس بتشديد الفاء ، والمعنى واحد أي : أزال وكشف ( عن مسلم كربة ) أي : من كرب الدنيا كما في نسخة ، وهي كذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة ، والكربة بضم الكاف فعلة من الكرب ، وهي الخصلة التي يحزن بها وجمعها كرب بضم ففتح ، والتنوين فيها للإفراد والتحقير أي : هما واحدا من همومها أي هم كان صغيره أو كبيره عرضه وعرضه عدده وعدده ، وقوله من كرب الدنيا أي : بعض كربها أو كربة مبتدأة من كربها ( فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ) بضم الكاف والراء ، وفي رواية من كرب يوم القيامة أي التي لا تحصى ; لأن الخلق كلهم عيال الله ، وتنفيس الكرب إحسان لهم ، وقد قال تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، وليس هذا منافيا لقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، لما ورد من أنها تجازى بمثلها وضعفها إلى عشرة إلى مائة إلى سبعمائة إلى غير حساب ، على أن كربة من كرب يوم القيامة تساوي عشرا أو أكثر من كرب الدنيا ، ويدل عليه تنوين التعظيم وتخصيص يوم القيامة دون يوم آخر ، والحاصل أن المضاعفة إما في الكمية أو في الكيفية ( ومن ستر مسلما ) أي : بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معايبه ، وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفا بالفساد ، وإلا فيستحب أن ترفع قصعته إلى الوالي ، فإذا رآه في معصية فينكرها بحسب القدرة ، وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة ; كذا في شرح مسلم للنووي ( ستره الله يوم القيامة ) وفي رواية : ستره الله في الدنيا والآخرة ، وفيه إشارة خفية صوفية صفية إلى أن من وقف على شيء من مقامات أهل العرفان وكرامات ذوي الإيقان أن يحفظ سره ويكتم أمره ، فإن كشف الأسرار على الأغيار يسد باب العناية ويوجب الحرمان والغواية .


من أطلعوه على سر فباح به     لم يأمنوه على الأسرار ما عاش



( متفق عليه ) : وهو مختصر من حديث طويل ذكره الإمام النووي في أربعينه مسندا إلى مسلم عن أبي هريرة ، وقد سبق ذكره في الكتاب .

[ ص: 3105 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية