صفحة جزء
4960 - وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قرب ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له ، الذين فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ، وذكر البخل أو الكذب . والشنظير : الفحاش " . رواه مسلم .


4960 - ( وعن عياض بن حمار ) وهو اسم الحيوان المعروف ، والعرب ما كانوا يتحاشون عن مثل هذه الأسماء حتى كانوا يسمون أولادهم كلبا وكلابا . قال المؤلف : هو عياض بن حمار التميمي المجاشعي ، يعد في البصريين ، وكان صديقا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلم قديما ، روى عنه جماعة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الجنة ثلاثة ) أي : ثلاثة أجناس من الأشخاص ( ذو سلطان ) أي : حكم . قال الطيبي أي : سلطان ; لأنه ذو قهر وغلبة من السلاطة ، وهي التمكن من القهر . قال تعالى : ولو شاء الله لسلطهم ، ومنه سمي السلطان ، وقيل : ذو حجة لأنه يقام الحجج به ( مقسط ) بالرفع صفة المضاف أي : عادل ، يقال : أقسط فهو مقسط : إذا عدل ، وقسط فهو قاسط : إذا جار ، فالهمزة فيه للسلب كما يقال : شكا إليه فأشكاه ( متصدق ) أي : محسن إلى الناس ( موفق ) أي الذي هيئ له أسباب الخير ، وفتح له أبواب البر ( ورجل رحيم ) أي : على الصغير والكبير ( رقيق القلب لكل ذي قربى ) خصوصا ( ومسلم ) أي : لكل مسلم عموما . قال الطيبي : مفسر لقوله ( رحيم ) أي : يرق قلبه ، ويرحم لكل من بينه وبينه لحمة القرابة أو صلة الإسلام . اهـ

والظاهر أن يراد بالرحيم صيغة فعلية يظهر وجودها في الخارج ، وبالرقيق صفة قلبية سواء ظهر أثرها أم لا . والثاني أظهر ، فيكون باعتبار القوة والأول باعتبار الفعل ، ويمكن أن تتعلق رحمة الرحيم إلى المعنى الأعم من الإنسان والحيوان الشامل للمؤمن والكافر والدواب ، فيكون الثاني أخص . والحاصل أن التأسيس أولى من التأكيد .

( وعفيف ) بالرفع على أنه الثالث من الثلاثة أي : مجتنب عما لا يحل ( متعفف ) أي : عن السؤال متوكل على الملك المتعال في أمره وأمر عياله مع فرض وجودهم ، فإنه أصعب ، ولهذا قال : ( ذو عيال ) أي : لا يحمله حب العيال ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بارتكاب سؤال الخلق ، وتحصيل المال الحرام والاشتغال بهم عن

[ ص: 3107 ] العلم والعمل مما يجب عليه ، ويحتمل أنه أشار بالعفيف إلى ما في نفسه من القوة المانعة عن الفواحش ، وبالمتعفف إلى إبراز ذلك بالفعل واستعمال تلك القوة لإظهار العفة عن نفسه . قال الطيبي : وإذ استقريت أحوال العباد على اختلافها لم تجد أحدا يستأهل أن يدخل الجنة ، ويحق له أن يكون من أهلها إلا وهو مندرج تحت هذه الأقسام غير خارج عنها ( وأهل النار خمسة ) إشارة إلى كثرتهم ( الضعيف الذي لا زبر له ) بفتح الزاي وسكون الموحدة أي : لا رأي ولا عقل كاملا يعقله ، ويمنعه عن ارتكاب ما لا ينبغي ، وقد ورد : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وفي القاموس : الزبر العقل والكمال والصبر والانتهار والمنع والنهي . اهـ . ولكل وجه في المعنى .

وفي شرح السنة أي : لا عقل له ، وفي الغريبين يقال : ما له زبر أي عقل . قال التوربشتي : المعنى لا يستقيم عليه ; لأن من لا عقل له لا تكليف عليه ، فكيف يحكم بأنه من أهل النار ، وأرى الوجه فيه أن يفسر بالتماسك ، فإن أهل اللغة يقولون لا زبر له أي : لا تماسك له ، وهو في الأصل مصدر ، والمعنى : لا تماسك له عند مجيء الشهوات ، فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام . قلت : التماسك إنما هو من كمال العقل وحاصل بالصبر فيحمل على أحدهما .

وأغرب الطيبي في قوله : لعل الشيخ ذهب إلى أن قوله : ( الذين هم فيكم تبع ) قسم آخر من الأقسام الخمسة ، ولذلك فسره بقوله يعني به الخدام الذين يكتفون بالشبهات ، وعليه كلام القاضي ; حيث قال : الذين هم فيكم تبع يريد به الخدام الذين لا مطمح لهم ولا مطمع إلا ما يملأون به بطونهم من أي وجه كان ، ولا تتخطى هممهم إلى ما وراء ذلك من أمر ديني أو دنيوي . أقول : والظاهر أن الضعيف وصف باعتبار لفظه تارة بالمفرد ، وباعتبار الجنس أخرى بالجمع ، أو الموصول الثاني بيان أو بدل مما قبله لعدم العاطف كما في الأصول المشهورة ، وعليه كلام الأشرف ; حيث قال : الذي في قول الذي لا زبر له بمعنى الذين للجمع ، وهو الذي جوز جعل قوله الذين هم فيكم تبع بدلا من قوله الذي لا زبر له . اهـ كلامه . وعلى هذا لا يتوجه الإشكال الذي أورده الشيخ التوربشتي ، ويتعين تقسيم الأقسام الخمسة . أحدها : الضعيف ، وثانيها : الخائن ، وثالثها : رجل ، ورابعها : البخيل ، وخامسها : الشنظير . تم كلام الطيبي .

ووجه غرابته أنه ليس في كلام الشيخ والقاضي ما يدل على جعله قسما آخر ، وهما أعقل من أن يخالفا النص على الخمس بالزيادة عليه ، لا سيما عند عدم وجود العاطف على ما في الأصول المشهورة ، ولا دلالة لتفسيريهما على ما توهم الفاضل ، إذ لا منافاة بين الوصف السابق واللاحق ، بل الثاني مميز للأول ، وحاصله أن القسم الأول هو جنس الضعيف في أمر دينه الناقصون في عقولهم الذين هم فيكم تبع ( لا يبغون أهلا ) أي : لا يطلبون زوجة ولا سرية ، فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام ( ولا مالا ) أي : ولا يطلبون مالا حلالا من طريق الكد والكسب الطيب ، فقيل : هم الخدم الذين يكتفون بالشبهات والمحرمات التي سهل عليهم مأخذها عما أبيح لهم ، وليس لهم داعية إلى ما وراء ذلك من أهل ومال ، وقيل : هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم ، ولا يبالون من أي وجه يأكلون ويلبسون ، أمن الحلال أم من الحرام ، ليس لهم ميل إلى أهل ولا إلى مال ، بل قصروا أنفسهم على المأكل والمشرب ، ثم الإشكال الذي أورده الشيخ على معنى لا زبر له لا تعلق له بأن يكون ما بعده قسما آخر أو لا . والله أعلم . ثم قوله : تبع هو الأصل وفي نسخة بالنصب وهو بفتحتين جمع تابع كخدم جمع خادم .

قال الطيبي : تبع في بعض نسخ المصابيح مرفوع كما في صحيح مسلم على أنه فاعل الظرف أو مبتدأ خبره الظرف ، والجملة خبرهم ، وفي بعضها منصوب كما في الحميدي وجامع الأصول ، وهو حال من الضمير المستتر في الخبر . اهـ . وقوله : لا يبغون بفتح الياء وتسكين الموحدة وضم الغين المعجمة في النسخ المصححة المعتمدة ، وفي بعضها بفتح الياء وتشديد الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة من الاتباع ، وفي نسخة بضم الياء وسكون الفوقية وكسر الموحدة والعين المهملة . قال النووي : لا يتبعون بالعين المهملة يخفف ويشدد من الاتباع [ ص: 3108 ] وفي بعض النسخ يبغون بالغين المعجمة ( والخائن الذي لا يخفى له طمع ) مصدر بمعنى المفعول قال القاضي أي : لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه ( وإن دق ) بحيث لا يكاد أن يدرك ( إلا خانه ) أي : إلا وهو يسعى في التفحص عنه ، والتطلع عليه حتى يجده فيخونه ، وهذا هو الإغراق في الوصف بالخيانة . قلت : بل هو إغراق في وصف الطمع ، والخيانة تابعة له ، والمعنى أنه لا يتعدى عن الطمع ، ولو احتاج إلى الخيانة ، ولهذا قال الحسن البصري : الطمع فساد الدين والورع صلاحه . قال : ويحتمل أن يكون ( خفيا ) من الأضداد والمعنى لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه ، وإن كان شيئا يسيرا . قلت : لا خفاء في أن المعنى الأسبق أبلغ وأنسب بقوله : وإن دق ، فهو بالاعتبار أولى وأحق ، وإن كان تعدية ( خفي ) باللام في معنى الإظهار أظهر ، فإنه يقال خفي له أي : ظهر ، وخفي عليه الأمر أي : استتر على ما ذكره بعض الشراح ، لكن في القاموس خفاه يخفيه : أظهره وخفي كرضي لم يظهر ، اهـ

فالمعنى الأول هو المعول في فتح الفاء في لا يخفى إلا إن ثبتت الرواية بكسرها كما لا يخفى والله أعلم .

( ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ) أي : بسببهما فعن بمعنى الباء كما في قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى ، على ما في القاموس ، الكشاف في قوله : فأزلهما الشيطان عنها ، أي : حملهما الشيطان على الزلة بسببها ( وذكر ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان الشك الآتي من الصحابي ، أو ذكر عياض إن كان من التابعي وهلم جرا ( البخل ) أي : في القسم الرابع ( أو الكذب ) : قال التوربشتي أي : البخيل والكذاب أقام المصدر مقام الفاعل ، وقال الطيبي : ولعل الراوي نسي ألفاظا ذكرها - صلى الله عليه وسلم - في شأن البخيل أو الكذاب ، فعبر بهذه الصيغة ، وإلا كان يقول : والبخيل أو الكذاب . قلت : المعنى كما قال الشيخ ، سواء كان هناك صفة أخرى لهما أم لا . هذا وروي بالواو وحينئذ إما أن يجعل اثنين من الخمسة فيكون قوله : ( والشنظير ) منصوبا عطفا على الكذب تتمة له ، وإما أن يجعلا واحدا فيكون الشنظير مرفوعا . كذا قاله شارح ، لكن قوله : تتمة له غير صحيح ; لأن التعدد المفهوم من الواو ، وهو الذي فر منه واقع فيه ، ولا يصح أن يكون الشنظير عطف تفسير للكذب لما بينهما من التباين ، فالصواب أن الواو بمعنى " أو " كما يدل عليه الأصول المعتمدة والنسخ الصحيحة ، ثم الشنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة السيئ الخلق ، وهو مرفوع على التصحيح كما سبق . قوله : ( الفاحش ) نعت له ، وليس بمعنى له أي : المكثر للفحش ، والمعنى : أنه مع سوء خلقه فحاش في كلامه لما بينهما من التلازم الغالبي ، هذا وفي شرح مسلم للنووي في أكثر النسخ : أو الكذب بأو وفي بعضها بالواو ، والأول هو المشهور في نسخ بلادنا ، وقال القاضي عياض : روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري ، وقال بعض الشيوخ : ولعله الصواب ، وبه تكون المذكورات خمسة . قال الطيبي : فعلى هذا قوله : والشنظير مرفوع فيكون عطفا على رجل كما سبق ، وعلى تأويل الواو ينبغي أن يكون منصوبا من تتمة الكذب أو البخل أو البخيل السيئ الخلق الفحاش أو الكذاب السيئ الخلق الفحاش . اهـ . وما قدمناه هو التحقيق وإن خفي على بعض أرباب التدقيق والله ولي التوفيق . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية