صفحة جزء
4961 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه .


4961 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد ) أي : إيمانا كاملا ( حتى يحب لأخيه ) أي : المسلم ( ما يحب لنفسه ) أي : مثل جميع ما يحبه العبد لنفسه ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : لا يؤمن الإيمان التام ، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة ، والمراد يحب لأخيه من الطاعات والمباحات . يدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث ، حتى يحب لأخيه من الخير . وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : وهذا قد يعد من الصعب الممتنع ، وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه ، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها ، وذلك سهل على القلب السليم . اهـ .

[ ص: 3109 ] وتحقيق ذلك أن المؤمنين متحدون بحسب الأرواح متعددون من حيث الأجسام والأشباح كنور واحد في مظاهر مختلفة ، أو كنفس واحدة في أبدان متفرقة ، بحيث لو تألم الواحد تأثر الجميع ، كما لوح إلى هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم : " المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله ، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله " ، وكما روي عن بعض المشايخ النقشبندية أنه أحس بالبرودة فقال : زملوني زملوني ، فغطوه فجاءه مريد له وقع في ماء بارد في شتاء شديد ، فقال الشيخ : أدفئوه ، فلما دفئ المريد قام الشيخ مستدفئا ، ونظيره أن ليلى افتصدت فخرج الدم من يد العامري ، فأنشد :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا



لكن الأظهر أن يقول : نحن روح واحد تعلق بها بدنان ، فيكون إشارة إلى الأبدان المكتسبة الواقعة للسادة الصوفية ، وإلا فهو موهم للحلول ، ثم بل لو تمكنوا فيه صح ذلك لهم بالنسبة إلى جميع الأشياء ، كما روي عن بعضهم : أنه ضرب عبده حمارا ، فتألم الشيخ بحيث رؤي ألم الضرب في عضوه الذي بإزاء العضو المضروب للحمار ، وذلك لأن إيمانهم من أثر نور الهداية شرعا وطريقة ، ومن أثر نور الله حقيقة ، وهو نور التوحيد من عكس نور الفردانية من نور الذات فأرواحهم اتحدت بذلك النور المقتضي للألفة والرحمة ، فإن حزن واحد حزنوا ، وإن فرح واحد فرحوا ، وهذا مقام الجمع بالروح ، وهو أن يجتمع عند تجلي الروح الأعظم عن تفرقة الطبيعة وتتحد الأرواح ، وهناك مقام أعلى يقال له : جمع الجمع ، وهو أن يجتمع عند تجلي الحق له عن تفرقة الغير روحانيا ونفسانيا ملكيا وملكوتيا ، فلا يرى غير الله لاختفاء جميع الأشياء في نور التوحيد ، كاختفاء النجوم عند إشراق الشمس ، وهذا رشحه من رحيق مختوم ختامه مسك ( متفق عليه ) أي : معنى ، فلفظ البخاري : لا يؤمن أحدكم وفي نسخة عبد ، وفي أخرى أحد من غير قسم ، ولفظ مسلم : والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ، أو قال لأخيه ما يحب لنفسه ، فلم يذكر المؤلف لفظ واحد منهما . ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، ذكره ميرك . فالمتفق عليه لفظا هو : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، كما رواه النووي في أربعينه . وقال : رواه البخاري ومسلم ، وكذا في الجامع الصغير ، وقال : رواه أحمد والشيخان والثلاثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية