صفحة جزء
( 16 ) باب الحب في الله ومن الله

الفصل الأول

5003 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " . رواه البخاري .


[ 16 ] باب الحب في الله ومن الله

الحب في الله أي : في ذات الله وجهته لا يشوبه الرياء والهوى ، ومن الله أي : من جهة الله أي : إذا أحب عبدا أحبه لأجل الله وسببه ، ومن هاهنا كما في قوله تعالى : تفيض من الدمع وفي كما في قوله تعالى : والذين جاهدوا فينا وهو أبلغ من حيث جعل المحبة مظروفا ، كذا حققه الطيبي ، وفيه أن مآلهما إلى معنى واحد ، والظاهر أن مراده عنوان الباب فضيلة الحب لله ، وما يترتب عليه من الحب من جانب الله ، كما سيصرح الأحاديث الآتية بهذا المعنى ، فالصواب أن يقال : إن ( في ) تعليلية و ( من ) ابتدائية ، والمعنى حب العبد العبد لأجل رضا الرب ، والحب الكائن من الله للعبد ، والثاني نتيجة الأول ، كما في الشريعة ، أو مقدمة له كما في الطريقة ، أو هو محفوف بهما ، كما في الحقيقة على ما حقق في قوله تعالى : يحبهم ويحبونه وقوله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والله أعلم .

الفصل الأول

5003 - ( عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأرواح ) أي : أرواح الإنسان ( جنود ) : جمع جند أي : جموع ( مجندة ) : بفتح النون المشددة أي : مجتمعة متقابلة ، أو مختلطة منها : حزب الله " ألا إن حزب الله هم المفلحون " ومنها حزب الشيطان " ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " وفي قوله تعالى : ولله جنود السماوات والأرض إشارة إلى الجندين حيث أحدهما علوي الهمة ، والآخر سفلي الهمة . ( فما تعارف منها ) : التعارف جريان المعرفة بين اثنين والتناكر ضده أي : فما تعرف بعضها من بعض قبل حلولها في الأبدان ( ائتلف ) : بهمزة وصل ، ثم همزة ساكنة تبدل ألفا في الوصل جوازا ، وتبدل ياء حال الابتداء وجوبا أي : حصل بينهما الألفة والرأفة حال اجتماعهما بالأجساد في الدنيا ( وما تناكر منها ) أي : في عالم الأرواح ( اختلف ) أي : في عالم الأشباح ، والإفراد والتذكير في الفعلين باعتبار لفظ ما ، والمراد منه بطريق الإجمال والله أعلم بحقيقة الحال أن الأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على مراتب مختلفة وشواكل متباينة ، وكل ما شاكل منها في عالم الأمر [ ص: 3132 ] في شاكلته تعارفت في عالم الخلق وائتلفت واجتمعت ، وكل ما كان على غير ذلك في عالم الأمر تناكرت في عالم الخلق فاختلفت وافترقت ، فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه ، وبالتناكر ما بينهما من التنافر والتباين ، فتارة على وجه الكمال وتارة على وجه النقصان ، إذ قد يوجد كل من التعارف والتناكر بأدنى مشاكلة بينهما إما ظاهرا وإما باطنا ، وبحقيقة يطول وتخاف من إعراض الملول واعتراض الفضول ، هذا وقيل : هذا الاجتماع كان يوم الميثاق فمن تقابل منهم اثنان يومئذ يأتلفان في الدنيا غاية المؤالفة ، ومن تدابر منهم شخصان يختلفان في نهاية المخالفة ، ومن وقع في الاجتناب له مشاركة من مشاكلة كل باب كالمنافقين ، وأشباههم مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ثم لا يمنع من هذا التعارف والتناكر وصلة الأجانب وشجنة الأقارب .


كانت مودة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم



ولا يدفعه بعد الدار ولا يجمعه قرب المزار .


مناسبة الأرواح بين وبينها     وإلا فأين الترك من ساكني نجد



قال حكيم : أقرب القرب مودة القلب وإن تباعد جسم أحدها من الثاني ، وأبعد البعد تنافر التداني .

وفي النهاية قوله : جنود مجندة أي : مجموعة كما يقال : ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد أي : إنها خلقت أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف ، كالجنود المجندة المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليها من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق يقول : إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ، ويميل إليهم ، والشرير يحب الأشرار ، ويميل إليهم اهـ . وفيه الإشارة إلى المناسبة بين الحديث وعنوان الباب ، لا سيما وهو صدر الخطاب ، وفي شرح السنة : فيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد في الخلقة . ( رواه البخاري ) أي : عن عائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية