صفحة جزء
5007 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكا قال أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " . رواه مسلم .


5007 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلا زار أخا له ) أي : أراد زيارة أخيه المسلم أو متواخيه في الله وهو أعم من أن يكون أخاه حقيقة أو مجازا ( في قرية أخرى ) أي : غير مكان الزائر ( فأرصد الله له على مدرجته ) أي : أعد وهيأ أو أقعد في طريقه ( ملكا ) : وفي النهاية أي : وكله بحفظ مدرجته يقال : رصدته إذ قعدت له على طريقه تترقبه اهـ . فقوله تعالى : إن ربك لبالمرصاد فيه تجريد ، والمعنى أنه مراقب للعباد ، قال : المدرجة بفتح الميم والراء هي الطريق سمي بذلك ; لأن الناس يدرجون عليها أي : يمضون ويمشون اهـ . والأظهر أن المدرجة من الطريق مكان مرتفع يمشي فيه درجة درجة في الطلوع والنزول ، ومنه مدرجة منى التي هي وصلة إلى منى يعرفها من ذهب في طريق المعرفة إلى عرفات الهنا من هنا . ( قال ) : استئناف جواب لمن قال وما بعد ذلك قال أي : الملك للزائر . ( أين تريد ؟ ) : الظاهر أن هذا من باب تجاهل العارف مع ما فيه من النورية حيث إن مقصوده الأصلي من تريد ، ولما كان من القواعد المقررة أن من أحب شيئا أكثر ذكره والإناء يترشح بما فيه . ( قال ) : أي : الزائر ( أريد أخا ) أي : زيارة أخ ( لي ) أي : مختصا لي ( في هذه القرية ) : ولعل تعيينها علم بالإشارة . وأطنب في الكلام ; ليتضمن المرام على نوع من أسلوب الحكيم ، فكأنه قال له : لا تسأل عن المحل واكتف بالسؤال عن الحال ، فإن هذا طريق أرباب الحال بلا محال .

قال الطيبي ، فإن قلت : كيف طابق هذا سؤاله بقوله أين تريد ؟ قلت : من حيث إن السؤال متضمن لقوله أين تتوجه ومن تقصد ، ولما كان قصده الأولى الزيارة ذكره وترك ما لا يهمه . قلت : هذا إنما يتم لو لم يقل في هذه القرية ونظيره قوله : " وما أعجلك عن قومك ياموسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى " لما كان الغرض من السؤال في استعجاله إنكار تركه القوم وراءه وتقدمه عليهم قدمه في الجواب ، وأخر ما وقع السؤال عنه . قلت : في كونه نظيرا له نظر ، بل مثال له بحسب المعنى ، وتوضيحه ما ذكره البيضاوي من أن قوله تعالى : ( وما أعجلك عن قومك ياموسى ) سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم وإبهام التعظيم عليهم ، فلذلك أجاب موسى عن الأمرين ، وقدم جواب الإنكار ; لأنه أهم ( قال هم أولاء على أثري ) أي : ما تقدم عنهم إلا بخطا يسيرة لا يعتد بها عادة ، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا ( وعجلت إليك رب لترضى ) ، فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بوعدك يوجب مرضاتك اهـ .

[ ص: 3135 ] ( قال ) أي : الملك للزائر ( هل لك عليه ) أي : على المزور ( من نعمة تربها ؟ ) : بضم الراء والموحدة المشددة أي : تقوم بإصلاحها وإتمامها أي : هل هو مملوكك أو ولدك أو غيرهما ممن هو في نفقتك وشفقتك ; لتحسن إليه من رب فلان الضيعة أي : أصلحها وأتمها . وفي بعض النسخ : هل له عليك من نعمة تربها أي : تقوم لشكرها ؟ ثم قيل : نعمة : مبتدأ ، ومن زائدة ، ولك خبره ، وعليه ، متعلق بحال محذوف أي : هل لك نعمة داعية على زيارته تربها أي : تحفظها وتتزيدها بالقيام على شكرها ؟ وقال الطيبي أي : هل أوجبت عليه شيئا من النعم الدنيوية تذهب إليها فتربها أي : تملكها منه وتستوفيها ؟ ( قال : لا غير أني أحببته في الله ) أي : ليس لي داعية إلى زيارته إلا محبتي إياه في طلب مرضاة الله ( قال ) أي : الملك ( فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) : ولعل وجه التشبيه أنه كما أحبه من غير سبب دنيوي ، كذلك الحق أحبه من غير باعث آخر من عمل أخروي ، ويمكن أن تكون الكاف للتعليل ، كقوله تعالى : واذكروه كما هداكم قال النووي : فيه فضل المحبة في الله ، وأنها سبب لحب الله وفضيلة زيارة الصالحين ، وأن الإنسان قد يرى الملائكة . قلت : رؤية غير الأنبياء والرسل من المؤمنين للملائكة على صور البشر أمر واضح ثبت في صدر الكتاب في حديث جبريل وغيره ، وإنما يقال هنا فيه دليل على إرسال الله الملائكة إلى الأولياء ، ومخاطبته إياهم بتبليغ المرام زيادة على مرتبة الإلهام ، والظاهر أن هذا من خصائص الأمم السابقة تحقيقا لختم النبوة ، والله سبحانه أعلم . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية