إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
381 - الحديث الثالث : عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه } وفي رواية { ونحن بالمدينة . }

382 - الحديث الرابع : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما [ ص: 664 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل . }

383 - ولمسلم وحده قال { أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي } .


يستدل بهذين الحديثين من يرى جواز أكل الخيل

وهو مذهب الشافعي وغيره وكرهه مالك وأبو حنيفة واختلف أصحاب أبي حنيفة : هل هي كراهة تنزيه ، أو كراهة تحريم ؟ والصحيح عندهم : أنها كراهة تحريم ، واعتذر بعضهم عن هذا الحديث - أعني بعض الحنفية - بأن قال : فعل الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجة إذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه شك على أنه معارض بقول بعض الصحابة " إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الخيل " ثم إن سلم عن المعارض ، ولكن لا يصح التعلق به في مقابلة دلالة النص .

وهذا إشارة إلى ثلاثة أجوبة : فأما الأول : فإنما يرد على هذه الرواية والرواية الأخرى لجابر . وأما الرواية التي فيها " وأذن في لحوم الخيل " فلا يرد عليها التعلق .

وأما الثاني " وهو المعارضة بحديث التحريم - فإنما نعرفه بلفظ النهي ، لا بلفظ التحريم ، من حديث خالد بن الوليد وفي ذلك الحديث كلام ينقض به عن مقاومة هذا الحديث عند بعضهم . وأما الثالث : فإنما أراد بدلالة الكتاب قوله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } ووجه الاستدلال : أن الآية خرجت [ ص: 665 ] مخرج الامتنان بذكر النعم ، على ما دل عليه سياق الآيات التي في سورة النحل فذكر الله تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير ، وترك الامتنان بنعمة الأكل ، كما ذكر في الأنعام ، ولو كان الأكل ثابتا لما ترك الامتنان به ; لأن نعمة الأكل في جنسها فوق نعمة الركوب والزينة ، فإنه يتعلق بها البقاء بغير واسطة ، ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين وذكر الامتنان بأدناهما ، فدل ترك الامتنان بالأكل على المنع منه ولا سيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها من الأنعام ، وهذا - وإن كان استدلالا حسنا - إلا أنه يجاب عنه من وجهين :

أحدهما : ترجيح دلالة الحديث على الإباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى تلك الدلالة .

الثاني : أن يطالب بوجه الدلالة على عين التحريم فإنما يشعر بترك الأكل ، وترك الأكل : أعم من كونه متروكا على سبيل الحرمة ، أو على سبيل الكراهة . وفي الحديث دليل من حيث ظاهر اللفظ في هذه الرواية : على جواز النحر للخيل .

وقوله " ونهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره " يستدل به من يرى تحريم الحمر الأهلية ، لظاهر النهي ، وفيه خلاف لبعض العلماء بالكراهة المغلظة ، وفيه احتراز عن الحمار الوحشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية