إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
باب الصيد

390 - الحديث الأول : عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ وفي أرض صيد ، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم . فما يصلح لي ؟ قال : أما ما ذكرت - يعني من آنية أهل الكتاب - : فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ، وكلوا فيها . وما صدت بقوسك ، فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم ، فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل } .


" أبو ثعلبة الخشني " بضم الخاء وفتح الشين المعجمة : منسوب إلى بني خشين ، بطن من قضاعة وهو وائل بن نمر بن وبرة بن تغلب - بالغين المعجمة - بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة ، و " خشين " تصغير أخشن مرخما ، قيل : اسمه جرثوم بن ناشب ، أعني : اسم أبي ثعلبة . وفي الحديث مسائل : الأولى : أنه يدل على أن استعمال أواني أهل الكتاب يتوقف على الغسل ، واختلف الفقهاء في ذلك ، بناء على قاعدة تعارض الأصل والغالب وذكروا [ ص: 670 ] الخلاف فيمن يتدين باستعمال النجاسة من المشركين وأهل الكتاب كذلك ، وإن كان قد فرق بينهم وبين أولئك ; لأنهم يتدينون باستعمال الخمر ، أو يكثرون ملابستها ، فالنصارى : لا يجتنبون النجاسات ، ومنهم من يتدين بملابستها كالرهبان فلا وجه لإخراجهم ممن يتدين باستعمال النجاسات . والحديث جار على مقتضى ترجيح غلبة الظن فإن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل .

الثانية : فيه دليل على جواز الصيد بالقوس والكلب معا . ولم يتعرض في الحديث للتعليم المشترط ، والفقهاء تكلموا فيه وجعلوا المعلم : ما ينزجر بالانزجار ، وينبعث بالإشلاء . ولهم نظر في غير ذلك من الصفات ، والقاعدة : أن ما رتب عليه الشرع حكما ، ولم يحد فيه حدا : يرجع فيه إلى العرف .

الثالثة : فيه حجة لمن يشترط التسمية على الإرسال ; لأنه وقف الإذن في الأكل على التسمية ، والمعلق بالوصف ينتفي بانتفائه عند القائلين بالمفهوم . وفيه ههنا زيادة على كونه مفهوما مجردا وهو أن الأصل : تحريم أكل الميتة ، وما أخرج الإذن منها إلا ما هو موصوف بكونه مسمى عليه ، فغير المسمى عليه : يبقى على أصل التحريم ، داخلا تحت النص المحرم للميتة .

الرابعة : الحديث يدل على أن المصيد بالكلب المعلم لا يتوقف على الذكاة ; لأنه فرق بينه وبين غير المعلم في إدراك الذكاة ، فإذا قتل الكلب الصيد بظفره أو نابه حل ، وإن قتله بثقله ، ففيه خلاف في مذهب الشافعي وقد يؤخذ من إطلاق الحديث : جواز أكله ، وفيه بعض الضعف أعني أخذ الحكم من هذا اللفظ .

الخامسة : شرط عليه السلام في غير المعلم إذا صاد : أن تدرك ذكاة الصيد وهذا الإدراك يتعلق بأمرين :

أحدهما : الزمن الذي يمكن فيه الذبح ، فإن أدركه ولم يذبح فهو ميتة ولو كان ذلك لأجل العجز عما يذبح به : لم يعذر في ذلك .

الثاني : الحياة المستقرة ، كما ذكره الفقهاء فإن أدركه وقد أخرج حشوته ، أو أصاب نابه مقتلا ، فلا اعتبار بالذكاة حينئذ ، هذا على ما قاله الفقهاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية