إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
391 - الحديث الثاني : عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم [ ص: 671 ] قال { قلت : يا رسول الله ، إني أرسل الكلاب المعلمة ، فيمسكن علي ، وأذكر اسم الله ؟ فقال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك قلت : وإن قتلن ؟ قال : وإن قتلن ، ما لم يشركها كلب ليس منها . قلت : فإني أرمي بالمعراض الصيد ، فأصيب ؟ فقال : إذا رميت بالمعراض فخزق ، فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله } . وحديث الشعبي عن عدي نحوه ، وفيه { : إلا أن يأكل الكلب ، فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه . وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على غيره . } وفيه { إذا أرسلت كلبك المكلب فاذكر اسم الله عليه فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته . } وفيه أيضا { إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه . } وفيه { وإن غاب عنك يوما أو يومين . } وفي رواية { اليومين والثلاثة فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ، فإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري : الماء قتله ، أو سهمك ؟ } .


فيه دليل على اشتراط التسمية ، كما ذكرناه في الحديث السابق وهو أقوى في الدلالة من الأول ; لأن هذا مفهوم شرط والأول مفهوم وصف ، ومفهوم الشرط : أقوى من مفهوم الوصف وفيه تصريح بأكل مصيد الكلب إذا قتل بخلاف الحديث الماضي فإنه إنما يؤخذ هذا الحكم منه بطريق المفهوم وهذا الحديث يدل على أكل ما قتله الكلب بثقله ، بخلاف الدلالة الماضية التي استضعفناها في الحديث المتقدم .

[ ص: 672 ] وفيه دليل على أنه إذا شارك الكلب كلب آخر : لم يؤكل وقد ورد معللا في حديث آخر { فإنك إنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب غيرك } .

و " المعراض " بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء المهملة ، وبعد الألف ضاد معجمة : عصا رأسها محدد ، فإن أصاب بحده أكل ; لأنه كالسهم ، وإن أصاب بعرضه لم يؤكل وقد علل في الحديث بأنه وقيذ وذلك لأنه ليس في معنى السهم وهو في معنى الحجر وغيره من المثقلات . و " الشعبي بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة اسمه عامر بن عامر بن شراحيل من شعب همدان .

وإذا أكل الكلب من الصيد ففيه قولان للشافعي :

أحدهما : لا يؤكل لهذا الحديث ولما أشار إليه من العلة فإن أكله دليل ظاهر على اختيار الإمساك لنفسه .

والثاني : أنه يؤكل لحديث آخر ورد فيه من رواية أبي ثعلبة الخشني وحمل هذا النهي في حديث عدي على التنزيه ، وربما علل بأنه كان من المياسير فاختير له الحمل على الأولى وأن أبا ثعلبة كان على عكس ذلك فأخذ له بالرخصة وهو ضعيف ; لأنه علل عدم الأكل بخوف الإمساك على نفسه وهذه علة لا تناسب إلا التحريم ، أعني تخوف الإمساك على نفسه . اللهم إلا أن يقال : إنه علل بخوف الإمساك ، لا بحقيقة الإمساك . فيجاب عن هذا : بأن الأصل التحريم في الميتة فإذا شككنا في السبب المبيح : رجعنا إلى الأصل ، وكذلك إذا شككنا في أن الصيد مات بالرمي ، أو لوجود سبب آخر يجوز أن يحال عليه الموت - لم يحل ، كالوقوع في الماء مثلا . بل وقد اختلفوا فيما هو أشد من ذلك وهو ما إذا غاب عنه الصيد ثم وجده ميتا ، وفيه أثر سهمه ، ولم يعلم وجود سبب آخر ، فمن حرمه اكتفى بمجرد تجويز سبب آخر ، فقد ذكرنا ما دل عليه الحديث من المنع إذا وجده غريقا ; لأنه سبب للهلاك ولا يعلم أنه مات بسبب الصيد . وكذلك إذا تردى من جبل لهذه العلة . نعم ، يسامح في خبط الأرض إذا كان طائرا ; لأنه أمر لا بد منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية